العبودية و الاستعباد: اقتراحات للحل/ بقلم: محمد سالم الشيخ

19 ديسمبر, 2017 - 09:16
محمد سالم الشيخ ، صحفي

بعد أن فشلت مقولة ثنائية سواد العين و بياضها في تقديم الكثير للأرقاء السابقين أو من يسمون ب( لحراطين ) و بعد أن فشلت محاولات تسييس القضية و أخفق حلها عن طريق تعيينات هنا أو هناك و بعد أن عرف الجميع أن كمية الظلم و الهوان و الجور التي تعرضت لها هذه الشريحة لم تتعرض لها شريحة في التاريخ ، و بعد أن عرف المهرجون أن الدين الذي بدأ بآل ياسر و بلال و سلمان ، الدين الذي يوصي بحقوق الحيوان و ينشر المساواة و العدالة لا يمكن أن يكرس العبودية و لا يشرع لها .. صار لزاما علينا جميعا كموريتانيين أن نواجه هذه المشكلة بطريقة جدية و بصفة عادلة تقدم العدل لمن ظلم كثيرا ، و كما شارك الجميع في ظلم هذه الشريحة على الجميع أن يشارك في رفع الظلم عنها و جبر خواطرها كل من جهته و انطلاقا من دوره الذي يلعبه و يقوم به في المجتمع ، و حسب التفصيل التالي :

1/ دور الدولة في مكافحة العبودية و رفع الظلم عن الأرقاء السابقين:

الدولة هي المسؤول الأول و الأخير عن وجود العبودية و عن تصفية مخلفاتها نتيجة كونها المسؤول عن المجتمع و عن الإرث السياسي للنظم السياسية التي كانت تدير المجتمع و تسير أموره ، و قد قامت الدولة و منذ الاستقلال بمجهودات خجولة لتصفية هذه الظاهرة على مستوى مسطرة القوانين و كذلك على مستوى برامج لإعادة دمج الأرقاء السابقين ، و رغم أن الجهد الذي قيم به غير كاف و غير متسق مع الحاجة بل يميل عادة إلى البرامج السياسية ذات الهدف الانتخابي ، إلا أن الدولة تبقى مطالبة بتطوير القوانين و القضاء نهائيا على الظاهرة و التعامل بحزم مع كل حالة مكتشفة و تطبيق القانون على الجميع حتى تختفي الظاهرة نهائيا ..و في نفس الوقت مطالبة ببرامج تأهيلية لهذه المجموعة على مستوى الرجال الناضجين و الذين عانوا في حياتهم من العبودية و الظلم و التهميش و لم  يستطيعوا الاستفادة من التعليم و لا التدرب على وظيفة فأصبحوا من الحمالة و العمال اليوميين فهؤلاء يجب أن توجه لهم قروض صغيرة و تأهيلهم لوظائف جديدة لأن القوة البدنية التي يعتمدون عليها زائلة خصوصا مع ظروف الفقر و سوء التغذية و المرض .. كما يجب توجيه و متابعة الشباب من هذه الشريحة و توجيههم للتعليم و تيسير التعليم لهم و تشجيع ذويهم الذين يفضلون توجيههم للعمل على عربات بيع المياه أو السخرة نتيجة الفقر المدقع و الحاجة الماسة ، و علينا ان نعرف جميعا أن هؤلاء هم مستقبل البلد و قوته التي يعتمد عليها ، لذلك على الدولة الاهتمام الخاص بهؤلاء و تمييزهم إيجابيا في التعليم و في التدريب و التوظيف حتى تدمجهم في الدولة و اجهزتها المختلفة .

هذه الإجراءات يجب أن يصاحبها توجه حقيقي للاعتذار لهذه الشريحة عن ما عانته و تخصيص يومي وطني للمسامحة و الاعتذار تقدم فيه جوائز للنصوص الشعرية التي تنتقد الاستعباد و تعلي من شأن هذه الشريحة و تبين ما تعرضت له ، و توجيه الإعلام و التعليم لتغيير العقلية الاستعبادية للمجتمع .

2/ دور الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني في مكافحة الرق و مخلفاته :

  تحاول جميع الأحزاب السياسية تقديم برامج سياسية جامعة مانعة تهتم بكل ما يعانيه الوطن من الفساد و الديكتاتورية و حتى المحافظة على المناخ، لكنها ما تزال تعالج ظاهرة العبودية و مشكل الاسترقاق بخجل و مداهنة، لذلك عليها أن تعلن صراحة عن موقفها و أن تعتبر هذه المشكلة من أكبر مشاكل البلد و حلها ربما يساعد في حل جميع المشاكل الأخرى كمشكل التعليم و الصحة و مكافحة الفقر و العدالة الاجتماعية و المساواة و كذلك توعية شريحة كبيرة من الفاعلين السياسيين و الناخبين الذين طالما استغلت الدولة جهلهم و عدم وعيهم السياسي و تبعيتهم العمياء للقبائل و للدولة و الإدارة المحلية.

3/ دور العلماء و المثقفين :

يقع الدور الأكبر في هذه المعضلة على العلماء لأن جميع من مارس الاستعباد حاول تسويغه دينيا مقدما فهما مغلوطا و مشوها للإسلام أنه دين و للعبودية و يشجع عليها ، و المغالطة الكبيرة التي وقع فيها الجميع هي عدم التفريق بين العبودية كظاهرة و الاستعباد كسلوك مشين رفضه الإسلام و حاربه و نهى عنه ، فالعلماء مطالبون بالجهر بموقفهم و الخروج من المنطقة الرمادية و الصدع بالحق امام الجميع ، فمن غير المقبول أن بلادا أخرج آلاف العلماء لم نجد منهم من يجاهر بموقفه في هذه الظاهرة المخجلة و يحارب ممارسات الاستعباد التي نعرف جميعا بما تحمله من ظلم و قهر و استغلال باسم الدين ، هذا الدين الذي جاء لينشر العدل و المساواة و الحرية ، موقف العلماء و المثقفين في بلادنا موقف مخجل من هذه الظاهرة و عليهم أن يتداركوا شيئا من ماء وجوههم بإعلان مواقفهم وتشخيص هذه الحالة التي قد تتفاقم و تتحول إلى ما لا تحمد عقباه .

4/ المجتمع و تغيير العقليات :

تسيطر على مجتمعنا الطبقية و التراتبية الظالمة حيث يحتقر طبقات معينة و يضعها في أسفل السلم الطبقي لا لشيء سوى لدورهم النبيل الذي يقومون به ، و يعلي طبقات أخرى لا لشيء سوى لأدوار سيئة جدا و سلبية لعبها اجدادها أو ادعوا ذلك ، في كنف هذه التراتبية توجد عقلية الاستعباد المقيتة و التفاخر بها و التمتع بممارستها، فقد سيطرت ثقافة الاستعباد و اقترنت بصبغها صبغة دينية و محاولة تسويغها انطلاقا من ذلك .. و قد صاحبت هذه العقلية ممارسات بشعة لا يقبلها العقل و لا الفطرة السليمة و لا يقرها الدين و لا المروءة.. و مع ظهور الدولة الجديدة استطاعت هذه العقليات التسلل إلى مفاصل هذه الدولة و شعشعت في كنفها ، بل اصطبغت بصبغتها الخاصة مما شجع ممارسات الاسترقاق و حال دون ظهور حركات تشجع تحرر هذه الشريحة و دمجها في المجتمع و الاضطلاع بدور إيجابي فيه .

لما شكل المجتمع الحاضنة الاساسية للعقليات الاستعبادية كان عليه ان يلعب الدور الاساسي في مكافحة هذه الظاهرة و القضاء على مخلفاتها و ذلك بتشجيع ثقافة الاعتذار لجميع من تضرر من الظاهرة أو تضرر منها ذووه ، و رفض عقلية الاستعباد و نبذها في المجتمع و التنبيه على أن من يمارس الاستعباد يعاني من مرض اجتماعي خطير فالفطرة السليمة و الإنسان السوي لا يمكن أن يميل غلى استعباد اخيه الإنسان و ظلمه و التنكيل به ، لذلك فنحن بحاجة ماسة غلى إعادة ترتيب لأولويات مجتمعنا  و اعتبار هذه الظاهرة ظاهرة خطيرة و جعلها ضمن الأولويات التي تجب مكافحتها و صياغة آليات لذلك بتغيير الترسانة الموجودة من النصوص الشعرية و الأمثلة و المقولات الشعبية الاستعبادية و استبدالها بترسانة جديدة تعلي من قيم الحرية و المساواة بين جميع الشرائح و تطلب التسامح و تعلي من شأنه .

هذه جملة ملاحظات و آراء و مقترحات الهدف منها التنبيه على خطورة ظاهرة الاسترقاق و مخلفاته التي يعانيها مجتمعنا و تهاني منها شريحة كبيرة جدا منه ، تهدف كذلك إلى إقامة حوار حول هذه الظاهرة و المساعدة في حلها و التخفيف من مخلفاتها و المحافظة على أواصر القربى و الاخوة في الدين و الوطن ، و تكثيف النسيج الاجتماعي لبلدنا و إقامة وحدة وطنية حقيقية ..

 

 

 

 

 

 

اعلانات