"تنزيه القرآن عن تقارير الإعلام"

27 ديسمبر, 2018 - 10:21

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله لقد ظهرت تقارير إعلامية مأخرا تصدر بآيات قرانية وأوصاف لأشخاص بعينهم أو جهات أو مجتمع بصفات فيها ذم  كالنفاق أو سود الوجوه ....  مثل ماجاء في التقرير الأخير عن مبادرة أطر أترارزة الذي نتشر كثيرا من إستخدام للآيات القرآنية   كقوله  ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ )  ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ )  ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ) ....الخ هذا فيه نوع من الحكم على الناس في أمور غيبية لايعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ومافي ذلك من أكل لأعراض المسلمين وهذا من كبائر الذنوب ولاقائل يقول بالإقتباس في مثل هذه الأمور وعليه فسأتعرض في هذه الموضوع عن الإقتباس ماهو حكمه ؟  وأقوال العلماء قديما وحديثا فيه وماهي  ضوابطه .

 أولا :  الاقتباس في اللغة : هو طلب القَبَس ، وهو الشعلة من النار ، ويستعار لطلب العلم ، قال الجوهري في " الصحاح : اقتبست منه علما : أي استفدته . 
وفي الاصطلاح : تضمين المتكلم كلامه - شعراً كان أو نثراً - شيئاً من القرآن ، أو الحديث ، على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث .

ثانياً: 
أنواع الاقتباس :
الاقتباس على نوعين : 
أحدهما : ما لم ينقل فيه المقتبَس ( بفتح الباء ) عن معناه الأصلي ، ومنه قول الشاعر :

          قد كان ما خفت أن يكونا ** إنا إلى الله راجعونا 
وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير ؛ لأن الآية ( وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) 

والثاني : ما نقل فيه المقتبَس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي :

لئن أخطأتُ في مدحِـ   ك ما أخطأتَ في منعي 
لقد أنزلتُ حاجاتي   " بوادٍ غير ذي زرع "
فقوله " بواد غير ذي زرع " : اقتباس من القرآن الكريم ، فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة " ، إذ لا ماء فيها ولا نبات ، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي ، هو : " لا نفع فيه ولا خير " .

ثالثاً: 
حكم الاقتباس :
جاء في "الموسوعة الفقهية" (  يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة ، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية ، تحسيناً للكلام ، أما إن كان كلاماً فاسداً : فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن ، وذلك ككلام المبتدعة ، وأهل المجون ، والفحش . وماكان للغزل ...
قال السيوطي : لم يتعرض له المتقدمون ، ولا أكثر المتأخرين من الشافعية ، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم ، واستعمال الشعراء له قديماً ، وحديثاً ، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين ، فسئل عنه الشيخ العز بن عبد السلام فأجازه ، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها : ( وجهت وجهي ... إلخ ) ، وقوله : ( اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر ) .
وفي سياق الكلام لأبي بكر ... " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
وفي حديث لابن عمر ... " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .
وقد اشتهر عند المالكية تحريمه ، وتشديد النكير على فاعله ، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه ، وبين النثر فأجازه ، وممن استعمله في النثر من المالكية : القاضي عياض ، وابن دقيق العيد ، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية . 
ونقل السيوطي عن " شرح بديعية " ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام :
الأول : مقبول ، وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود .
والثاني : مباح ، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص .
والثالث : مردود ، وهو على ضربين .
أحدهما : اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه ، بأن ينسبه المقتبِس إلى نفسه ، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله : " إن إلينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم " .
والآخر : تضمين آية في معنى هزل ، أو مجون .
قال السيوطي : وهذا التقسيم حسن جدّاً ، وبه أقول " . 
وبهذا التقسيم الأخير يقول العلماء المحققون ، وليس ثمة فرق بين الشِّعر والنثر عندهم ، و
 لا يجوز استعمال آيات القرآن  التي فيها حكم بالجنة أو النار أو بياض الوجوه أو سوادها أو مصير أهلها أو الحكم بالنفاق أو الكذب أو الخداع أو المكر كما جاء في التقرير الذي هز صفحات التواصل هذه الأيام  على أنها آيات من القرآن ، تصف هؤلاء فهذا لايجوز ، وفيه أكل لأعراض الناس والتعريض بهم ، وسوء أدب مع الله ومع القرآن وصاحبه عليه بالمبادرة بالتوبة الى الله وطلب السماح من المسلمين الذين أصابهم الحرج وظهرت صورهم وهي مرفوقة مع هذا التقرير حتى تبرء ذمته ، وليعلم الجميع أن المسلمين لهم حرية لكنها مقيدة ومهذبة بضوابط الإسلام وأخلاقه وليست كالحرية التي عند الغرب المفتوحة فلا كرامة ولاخصوصية فنحن على خلاف ذلك فالكملة الواحد ندخل بها الجنة وندخل بها الإسلام ونحقق بها الإيمان وكذلك نخرج الإسلام بكلمة كما هو معلوم عندكم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " .. إن الرجل ليتكلم بكلمة لايلقي لها بال فترفعه درجات عند الله ويتكلم بكلمة فتهوي به في النار سبعين خريفا "   أو كما قال صل الله عليه والسلم .

 

الأستاذ الشيخ يحفظ أعليات

 

 

 

 

 

 

اعلانات