وشهد شهود من داخلها

15 مارس, 2019 - 08:37

ما لاشك فيه أن المعارضة ظاهرة صحية ضرورية للأنظمة الديمقراطية،
فبحضورها وفاعليتها يزداد النظام نضجا ويتحسن أداؤه، وتتعدد إنجازاته،
وتستقيم سياساته؛
وكما هو معلوم أيضا؛ أن ضعف المعارضة وانقسامها يحد من إيجابيتها
السياسية ويقلل من تنافسيتها الميدانية، ويُعدم جدوائيتها الرقابية،
وبذلك يختفي -تماما- دورها التفاعلي التشاركي -المؤمل- في سبيل النهوض
بالوطن.
إن المتتبع للساحة السياسية اليوم لا يجد كبير عناء في إدراك حالة الضعف
والانقسام، ومستوى النكوص والتردي الذي وصل إليه جهاز أو كيان المعارضة
-إن جاز التعبير في هذا المشهد الاستثناء- لما يتطلبه معنى هذا الاصطلاح
من التلاحم والتفاهم والانسجام، ولأن التكتلات السياسية تتلاقى على جوامع
وثوابت تتقاسمها، وتوفر لها الأمان ضد الأحادية والانقسام لتكون لها حصنا
منيعا ضد التفكك والضعف المترتب على ذلك.
إن الانقسام المؤثر والخلاف القاتل الذي نما داخل جسم المعارضة حتى تآكل
واستفحل مرضه؛ ليس ادعاء أعداء، ولا دعوى منافس، بل هو إقرار من النخب
المعارضة، من أصحاب الأقلام السيالة، وهم الذين أدركوا -قبل غيرهم- هذه
الحالة المرضية لجسم؛ هم لسانه الناطق، وعينه الفاحصة، لم تكن شهادة
هؤلاء ولا تصريحاتهم حول وضع المعارضة -الذي يؤسفهم- بالتعبير العابر أو
الشهادة المستعجلة، فلقد ظل هؤلاء ولفترة طويلة يرقبون الوضع ويقدمون
التوجيه والنصح، وبعد أن أعيتهم المتابعة ومحاولات العلاج، تأكد عندهم
فوات الأوان؛ على الوقاية، وتقادم المرض على العلاج، وبالتالي استشراء
الداء وحصول التشرذم، والتحزب على ضعف وخواء، وإنهاك القوى وتبديد
الجهود.
يقول أحد أساطين المعارضة؛ ممن عُرِفوا بحمل لواء الدفاع عنها والنصح
لها، منتقدا لما آلت إليه وضعيتها، معريا روافدا العجز فيها، مستأنسا
بوثيقتها لإعلان المبادئ التي تقول إحدى فقراتها كما ورد في مقال الكاتب
المعنون ب: هل ستعجز المعارضة عن الوفاء بتعهداتها؟
تقول الفقرة: ( "هذه الظرفية الدقيقة تتطلب من الجميع التوجه نحو هذا
الاستحقاق بروح وطنية عالية ومسؤولية حقيقية، وتغليب المصلحة العليا
للبلد على المصالح والطموحات الضيقة".

دعونا نسأل -يقول هو- أين هي : الروح الوطنية العالية، وأين هي المسؤولية
الحقيقية، وأين هو تغييب المصلحة العليا للبلد على المصالح الحزبية
الضيقة؟ أين كل ذلك مما يجري الآن من خلافات ضيقة بين أحزاب المعارضة حول
تسمية مرشحها الرئيسي؟

إن من أخطاء المعارضة  التي تكررت في الفترة الماضية، هو أن هذه المعارضة
كانت تصر دائما على تشكيل تكتلات سياسية هشة، تكتلات بإمكانها أن تظهر
نوعا من الانسجام المزيف والتماسك الوهمي في الظروف السياسية العادية،
ولكن هذه التكتلات سرعان ما تتفكك أمام أول اختبار جدي، وفي اللحظات
السياسية الحرجة. تفككت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، ثم تفكتت
منسقية المعارضة ، ثم تفكك المنتدى بشكل جزئي بعد خروج التكتل وإيناد
واللقاء، وكانت كل عمليات التفكك تلك قد حدثت في لحظات سياسية حرجة، وها
هو ما يسمى بتحالف المعارضة الانتخابي على وشك التفكك في لحظة سياسية
وانتخابية حرجة. (أنتهى)

نعم ستخذل المعارضة جماهيرها بفعل انقسامها وضعفها في وقت تُطلب فيه
القوة والتماسك أكثر من أي وقت مضى، فالبلاد قاب قوسين أو أدنى من حصول
تبادل سلمي طوعي سلس على السلطة، وهي فرصة قد لا تتكرر في العمر لرجالات
ورموز وقيادات هذه المعارضة المنقسمة على ذاتها تبعا لميول فردي، يطرد
الرأي الجامع، ويقزم الدور، ويُقصي من المشهد.

يأتي آخر وهو ممن حملوا لواء الدفاع عن المعارضة ليحكي ألمه وحسرته على
ضعفها وانقسامها وإخلالها بميثاق شرف المرحلة الذي وقّعت عليه مجتمعة،
ونقضته أحزابها متفرقة، ثم يعود ليؤكد أن نقدها للرئيس الحالي ولنظامه،
ومن والاه من أحزاب حاكمة؛ بعد هذا لايجد سندا ولا مسوغا، ذكر ذلك في
مقال بعنوان: المعارضة تدعم النظام : عاش النظام العسكري يسقط التناوب.

الخلاصة الجامعة لكل هؤلاء المعارضين، المتحسرين على حال وواقع المعارضة
اليوم وما تعيشه من ضعف وانقسام، وانهزامية وتفكك؛ أنهم يُحمِّلون رموزها
مسؤولية كل ما وقع، ويتهمونهم بالقصور والتقصير، والأنانية والرجعية،
والتبعية الفاضحة.

يحدث ذلك في ظل تنامي قوة مرشح النظام التي أصبحت تزداد يوما بعد يوم،
وتتشعب وتقوى وتتماسك لتكون قبلة شبه موحدة للسياسين، في تخطيط محكم
وهندسة واعية وبرعاية مباشرة من المرشح نفسه؛ مستعينا بهدوء القائد
المتأمل العارف بالأرضية العازف على وتر جامع للمعارضة والأغلبية، في
دراية تامة بحلبة التنافس، وإدراك عميق لخليفية المناصرين الجادِّين
وأولئك المندسين، و*المبادرين*.. ، والمتسلقين، وهو المميز لطبيعة
الدوافع وجدية المواقف.

عثمان جدو

 

 

 

 

 

 

اعلانات