إن تاريخ الممارسة السياسية هو تاريخ صراع بين المصلحة والأخلاق، وبين الكذب والحق ، وإلقاء نظرة سريعة على التجارب البشرية في هذا المضمار سيحيلنا إلى أن البقاء كان في كل جولة للحق وأهله .
فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) صَعدَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِى « يَا بَنِى فِهْرٍ ، يَا بَنِى عَدِىٍّ » . لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ « أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِىَّ » . قَالُوا نَعَمْ ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقاً . قَالَ « فَإِنِّى نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ »
وفي رواية أخرى للحديث (الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله. والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة....
بهذه الدعوة الصادقة بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم تبليغ رسالته التي ملأت الأرض عدلا ونورا ، وبالصدق والأمانة نال لقب أعظم قائد في التاريخ حتى في نظر غير المسلمين، فهذا "مايكل هارت" صاحب الآراء العنصرية المعادية للعرب والمسلمين في كتابه (الخالدون المائة ) والذي هو عبارة عن كتاب يحوي أسماء مائة شخصية الأكثر تأثيرا في التاريخ يضع الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم على رأس القائمة .
لقد خلص كاتب كتاب ( لماذا يكذب القادة ) لبروفيسور " جون جي " أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو إلى أن الكذب السياسي يؤثر سلبا في الحياة الإجتماعية للأفراد والجماعات ، ويؤثر سلبا كذلك في مستقبل الديمقراطيات المعاصرة ، إضافة إلى أنه يساهم بشكل كبير في فقدان الثقة بين الفاعلين السياسيين والجمهور ويشعرهم بالتلاعب والإيهام بقوة غير حقيقية ونتيجة لذلك تكون ردات الفعل أكثر عنفا .
كانت من آخر وصايا البنك الدولي للحكومات أنها تعمل على مكاشفة الشعوب بحقيقة واقعهم الاقتصادي لبلدانهم، واعتبرها خير وسيلة للإصلاح الاقتصادي.
وإدراكا منه لكل ماسبق فقد ظل فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني منذ تسلمه للسلطة حريصا في كل مناسبة على مصارحة ومكاشفة شعبه لقناعته الراسخة بأن الشعب شريك مع القيادة السياسية في عملية التنمية وبالتالي لابد من إطلاعه ومكاشفته بالواقع والوقائع .
إنها فعلا فلسفة ونهج جديد في الحكم يقوم على مراعاة مصالح الشعب ،وامتلاك شجاعة المصارحة والمكاشفة ، والانحياز إلى المواطن البسيط ، وهي بالفعل فلسفة افتقد إليها كل من حكموا البلاد في السنوات الفارطة فكانت النتيجة أن الشعب في واد والرئيس في واد ، أما اليوم فقد حبانا الله ولله الحمد بقائد يشعر بنبض المواطن البسيط، ويتألم لآلامه، ويعمل جاهدا من أجل تصحيح المسار ، فطوبى لنا به من قائد .
لقد أعطى حديث فخامة رئيس الجمهورية أمس مع بعض أفراد جاليتنا في مدريد أملا جديدا ودفعة قوية لقوى الخير والإصلاح، حيث وصف المشاكل مسترسلا بإمعان وخبرة الخبير العارف بخبايا الأمور، والأكثر اطمئنانا من هذا كله أنه كان في قالب عفوي صادق ، وينم عن إحساس عال بالمسؤولية .
الصدق سلاح المنتصر ، والكذب سلاح المنهزم وحبله قصير ، والأكاذيب والأوهام لاتبني وطنا، وتزييف الواقع لايغير من الأمر شيئا، والتخلف سينتهي عندما يقدم كل شيء على حقيقته.
وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَٰطِلُ إِنَّ ٱلْبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقًا. صدق الله العظيم.
الأمين الطالب عبد الله