شهدت التجربة السياسية للبلاد - منذ الاستقلال- خمسة عشر انقلابا عسكريا فشل منها البعض فى الاستيلاء على السلطة ،ونجح البعض الآخر، ولكنها جميعا تركت آثارا سلبية على النسيج الاجتماعي والإرث السياسي وبنية الدولة وتنميتها ومفهومها، وقد تم تجريم الانقلابات بالقانون وتحصين بعض مواد الدستور لمنع حدوثه ،وذلك قبل الانقلاب الأخير، ومع ذلك استطاع التوافق السياسي فى دكار أن يتجاوز أزمة العودة إلي الحياة الدستورية وهاهي البلاد تتجه إلي تعديد دستوري غير توافقي أو مايسميه البعض بانقلاب دستوري بواسطة الدبابة 38 ! ولكن هل يؤشر تمرير التعديلات إلي قرب الانقلاب السادس عشر؟
كانت كل الانقلابات السابقة تحدث نتيجة عوامل داخلة وأخري خارجية :
أ- عسكرية بحته : تتمثل فى ضعف الانضباط المهني لدى مؤسسة الجيش، وتأثير الانتماءات الفئوية والطبقية و الاجتماعية (وهو عامل حاضر في الانقلابات فى دول العالم الثالث وإفريقيا خاصة)
ب- مجتمعية : نتيجة الاحتقان السياسي والصراعات الاجتماعية والطموحات الفردية والجماعية
ج- الوضع الاقتصادي المتدهور وفشل السياسيات الإنمائية والتوزيع غير العادل للثروات
د- التأثير الخارجي لدول أهمها فرنسا والمغرب والسنغال والتي لا تفوت الفرصة –عندما تشعر بعجز في النظام القائم – لتقديم المساعدة لطرف تراه فى صالحها ..
إن الدعوة لمأمورية ثالثة هي المبرر الأقوى للانقلاب القادم ويمكن أن يكون للتعديلات الدستورية دورها فى تهيئة الأجواء العامة داخليا وخارجيا :
- إن الدستور الذي يمثل مرجعية القوانين المجرمة للانقلابات عندما يجري تعديله لأول مرة دون توافق حقيقي فإن من شأن لك أن يشرع من جديد مبدأ الانقلاب
- مجلس الشيوخ هو الآخر يملك من الأوراق القانونية ما يمكن أن يستند إلية دُعاة الانقلابات بعد أن يتم حله قسرا وخارج المسطرة القانونية لذلك
- نمط الحملات الدعائية القائم على أسلوب نظام ولد الطايع فى الاستنفار الشامل لأجهزة الدولة وموظفيها ومقدراتها وإشراك الفنانين والشعراء وفتح أبواب التملق على مصراعيها كل ذلك ظل يسبق الانقلابات ويساهم فى إضفاء الشرعية عليها .
- المعارضة لم تكن يوما بعيدة عن أجندة الانقلابات وكان تنسيق بعض قادتها السري مع قادة الانقلابات قد ظهر جليا فى عدة انقلابات ومحاولات وخاصة عندما تسد أمامها أبواب الحوار وتجد نفسها معزولة وغير مؤثرة فى الشأن العام،وها ما يحصل الآن من خلال تغيير للدستور لم يؤخذ برأي أغلبيتها فيه.
إن الانقلاب يصبح - تحصيل حاصل مهما تأخر وقته – عندما تتوفر الشروط والظروف الملائمة له، لكنه لا يمكن التكهن بشيء محدد أو سيناريو بعينه فقد كانت الانقلابات السابقة لا تأتى إلا متأخرة ودون سابق إنذار، ولكن أي انقلاب من بين كل ماشهدته البلاد من الانقلابات ومحاولات الانقلاب لم يفاجئ الساحتين المحلية والدولية ؛فقد كانت الظروف مهيأة دائما للانقلابات ويبدوا أنها لاتزال للأسف الشديد !
بقلم: الحاج ولد المصطفى