في وقت كنا ننتظر فيه منعرجا جديدا على عتبة انتخابات 2019، ها نحن نعود إلى مربع الدكتاتورية بعد أن شاهدنا أمورا مخيفة حقا. لقد كنا نتوقع طي صفحة الماضي من خلال تراكماتنا الديمقراطية التي كان عليها أن تجعلنا نتقدم إلى الأمام جاعلين من 2019 فرصة حقيقية للشفافية ولانتخابات نزيهة يشارك فيها الجميع ولا تعرف إقصاء أي طرف ولا هيمنة أي طرف، كما تكون فرصة حقيقية لتصبح كلمة الشعب مسموعة بدون أي ضغط وبدون أي توجيه من الإدارة. لقد اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن البلاد دخلت دوامة جديدة تنبئ بعكس ما كنا نتوقع. إنه منعرج خطير جدا على مستقبل موريتانيا. وللأسف الشديد فإن مجموعة كبيرة من الفاعلين المؤثرين في ما يجري هم النخبة الموريتانية.
إن التعديلات الدستورية ليست محل إجماع إطلاقا، كما أن مسطرتها القانونية ظلت تتضمن خرقا جليا للدستور. والحقيقة أنه كان على الجهات الساعية إليها أن تتراجع عنها مباشرة لما رفضها مجلس الشيوخ لأن احترام القانون يلزم بذلك.
لقد تميزت حملة الاستفتاء بمسائل كلها خطيرة ودالة كلها على تراجع الديمقراطية وبروز التعسف وسيادة الدكتاتورية. أول هذه المسائل يتمحور حول الأسلوب الذي يقصي بقية الأصوات بحيث لم يعد يوجد إلا صوت واحد. وإذا سمع صوت نشاز مغاير يسجن صاحبه دون أي مسوغ قانوني. وها نحن نرى اليوم جهات سياسية تقوم بمسيرة فتمنعها السلطة بالقوة كما وقع في تجنين يوم 28 وفي تيارت يوم 30. لقد حضرت شخصيا الفعاليتين الآنفتين اللتين كانتا في الحقيقة مرخصتين باعتبار أن الإجراءات القانونية تتمثل في تقديم إشعار للجهات الوصية في الوقت المناسب على أن ترد تلك الجهات ردا مكتوبا يقتضي الرفض لكي يكون هناك رفض قانوني، وهذا ما لم يقع. إذن المسيرتان مشرعتان، رغم ذلك وقع فيهما قمع شديد لا مثيل له.. إنه أسلوب جديد ومخيف، لكنه ليس الوحيد، فهناك طرق جديدة أيضا مخيفة بدورها كاختطاف المواطنين كما وقع لمسؤول تكتل القوى الديمقراطية في نواذيبو الذي يوحي بعهد جديد من تراجع الممارسة الديمقراطية بشكل قاطع.
إنه لثمة أمر آخر ينبئ ببداية دكتاتورية سحيقة. إنه تمجيد القائد الذي أصبح يوصف حتى بأوصاف لا تجوز في حق البشر. ولعل الدارس للظاهرة يفهم أن ممارسات وتصريحات من هذا القبيل ليست في العادة إلا سدا للفراغات الديمقراطية.
أما الأسلوب الآخر الذي كنا نعتقد أنه ولى، فهو سقوط الجدار بين الإدارة والسياسة. لقد أصبحنا نسمع الإدارة (من الحاكم إلى الوالي، إلى مدراء المؤسسات ورؤساء المصالح...) تستدعي الموظفين وتطلب منهم، بل تأمرهم في السير خلف خيارات السلطة.. والأدهى من ذلك أن خصوصية المواطنين، المتمثلة في مكالماتهم وأسرارهم، أصبحت تنتهك في وضح النهار بما يتنافى مع كل القوانين والأعراف والأخلاق. إنه لأمر جد مقلق بدوره.
إن ما يخيف على مستقبل الديمقراطية في البلد هو كون هذه المخاوف التي سبق ذكرها ستصب كلها في ممارسة أخرى هي ملء الصناديق بالأصوات. لقد كنا نحسب أن تلك العملية تدخل في إطار ممارسات اختفت في السابق وخرجت من عادات الموريتانيين وحلت محلها بعض القواعد التي تعطي، على علاتها، بعضا من المصداقية للاقتراع. من المنطقي بالنظر إلى مجريات الأمور المتجهة من السيئ نحو الأسوإ أن كل قبيلة ستضع في الصندوق 100% من الأصوات بمباركة الحكام والولاة، وهو ما سيفتح صفحة عهد جديد من الدكتاتورية كنا نظنه ولى لغير رجعة.
ولا يغيب عن أذهاننا أنه سيكون هناك الكثير من التحدي والكثير من المراوغات السينمائية في عملية الاقتراع على التعديلات المرتقبة. فأنا لا أستبعد التصويت المتعمد من قبل النظام بـ"لا" على قضية العلم، وبـ"نعم" على باقي القضايا التي تهمه لكي تبدو العملية كأنها ديمقراطية.
إن دور الأطر والوجهاء اليوم وحجم تملقهم في ما يتعلق بالمسلسل الحالي ليعبر هو الآخر عن مرحلة مخيفة ومقلقة من تدهور الأخلاق السياسية وغياب الوعي الجمعوي.
ومهما يكن، فإنه لا يمكن بناء دولة على هذا الأساس، وليس هذا الواقع هو ما سينفع موريتانيا المطالبة بالتوجه إلى الديمقراطية والانفتاح على الاستثمار الذي يتطلب دولة مؤسسات ودولة قانون بمقدورها أن تكون وجهة للمستثمرين خاصة ان الاستثمارات هي ما يمكن من خلاله اليوم مواجهة الفقر والبطالة.
كل ما سبق ذكره يشكل حقيقة مرة يبدو لي أنها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ويجب أن نعيها ونقدرها حق قدرها، ونتصدى لها.
الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني
بتاريخ 31 يوليو 2017