وصلت البرقية اليوم بصحة “نخب السلطة” المستغرقين في اللذة السياسية دون تعقل، و لمن يُجرون تمارين المغاضبة السياسية من “المبادراتيين” الخارجين على الانضباط الحزبي في إعلان الترشحات السابقة لأوانها، وربما هو تحذير باتخاذ إجراءات صارمة في حق الحيتان السياسية التي تسعى لابتزاز الحزب والضغط لابتلاع أهم المناصب الانتخابية فللمال سطوته على القيم كما يقال.
يحكى بأن الفيل عندما يشعر بقرب نهايته يجرجر أقدامه الثقيلة إلى مقبرة الفيلة ويجثو على ركبتيه بانتظار النهاية. فهو يجنب أشباهه رؤية العجز الذي يصل إليه حيوان ينحدر من آخر سلالة الحيوانات الضخمة..
لكن المشكلة أن أغلب «الحيوانات السياسية» عندنا مولعة فقط بتقليد الضباع والتماسيح والثعالب والقردة، و القليل منها يبدو معجبا بنموذج الفيل. فهم يصرون على البقاء في «الحديقة» يتفرج عليهم العابرون، إلى أن يأتي من يطردهم منها بالقوة.
إقالة سفير موريتانيا لدى اليونيسكو بباريس وصهر رئيس الجمهورية وأحد رجال الدولة العميقة منذ نظام ولد الطائع، -والذي يوجد أهم “مريديه” في مفاصل الأجهزة الإعلامية الحكومية- كان رسالة واضحة للسياسيين المتكلسين بسبب إصرارهم على التحول إلى مومياءات محنطة، وإدارة دفة الفعل السياسي بواجهات جديدة يفرضونها على المشهد الانتخابي .
وربما يقول قائل أن لهذه الاقالة علاقة بملف العقارات الذي كان ولد النني أحد أكبر مهندسيه والمستفيدين منه قبل أن تطيح الدولة بمافيا العقارات تلك.
كما شملت الإقالة “سفيرنا في ليبيا” خارج التغطية، وزير إعلام ولد الطائع حمود ولد عبدي وهو رجل ذو ثقافة عالية، إلا أن مهمته على رأس البعثة الدبلوماسية في ليبيا والمقيمة في تونس لم تكن بتلك الفاعلية، ربما بسبب إهمال الخارجية الموريتانية للملف الليبي الهام.
لقد سبق هذه الإقالة عدة إرهاصات من قبل البيان التوبيخي لحزب الإنصاف الحاكم، والذي أظهر عدم انضباط الكثير من فاعليه، و حذر فيه من أي نشاط سياسي ينظمه المنتسبون للحزب خارج الأطر الحزبية تحت أي عنوان كان، وشدد البيان على أن الترشحات السابقة لأوانها غير مقبولة البتة.
ما لم يقرأه هؤلاء جيدا أن سياسة فرق تسد والعراك السياسي تحت إشراف السلطة لم يعد منهجا للنظام، حيث قال الرئيس السابق أنه سيقيم الفاعلين السياسيين من خلال وزنهم الانتخابي ومبادراتهم السياسية، إلا أن النظام الحالي جسد إشاعة أجواء التوافق والهدوء السياسي مع المعارضة، وليس من الحكمة أن تثور الزوبعة من داخل فنجان الموالاة.
المامي ولدجدو -كاتب صحفي