عمليات شراء الذهب السطحي في موريتانيا : من أجل تصحيح الخطأ.
كان قرار البنك المركزي الموريتاني النافذ منذ نهاية سنة 2016 والقاضي بشراء كميات الذهب المتحصل عليها من طرف المنقبين العاملين في قطاع التنقيب السطحي قرارًا غير محسوب النتائج إذ عرَّض مصالح البنك المركزي لمخاطر كان بالإمكان تجنبها ومما زاد من تعقيد الوضع هو صعوبة تحويل كميات الذهب المقتناة عبر عمليات الشراء الفوري إلى أصول تدعم احتياطيات البنك المركزي من هذا المعدن الذي يعتبر مستودع قيمة من الدرجة الأولى وعلى المستوى العالمي. ذلك أن مسار تسييل الذهب وتحويله لصفائح مرقمة دوليا يتطلب مصاريف إضافية من شأنها أن تجعل كلفة الشراء والتحويل في مستويات باهظة تتجاوز بكثير القيمة السوقية النهائية للكميات المتحصل عليها عبر هذا المسار وهو ما قد يؤدي إلى اختلالات لن تفوت على مكتب التدقيق الخارجي على حسابات البنك المركزي كما أن لهذه العمليات أثر مباشر على التضخم (المرتفع والمتوقع أن يصل 11% نهاية العام الجاري) حيث أن البنك المركزي يخلق عبر هذه الشراءات كتلة نقدية بلا مقابل وهو ما يتعارض مع ضوابط خلق النقود والتي لا ينبغي أن ينخرط فيها المركزي إلا حين يقدم تسبيقات للدولة لسد العجز في الموازنة طبقا لقانون المالية ولنُظم المركزي أو حين يقوم هذا الأخير بتسهيل عمليات تمويل العجز قصير الأمد في سيولة الميزانية العامة للدولة عبر إصدار أُذونات خزينة بفوائد وما عدى ذلك فإن مهمة خلق النقود هي من صميم اختصاص البنوك الوسيطة عبر عمليات القروض.
إن من شأن تقديم مشروع قانون ضابط لعمليات التنقيب السطحي عن الذهب والمقرر نقاشه هذه الأيام من طرف البرلمان أن يوفر فرصة ذهبية لتعديل أوتار مسار هذا النشاط المهم وحين يتم التصويت على مشروع النص المعروض على البرلمان وإصداره كقانون سيكون من المهم العمل ضمن إعداد النصوص التطبيقية على ضبط آليات بيع وتبادل كميات الذهب من التنقيب السطحي بما لا يُعرِّض مصالح واستقلالية البنك المركزي أو الخزينة لمخاطر لا معنى لها وهنا استعرض بإيجاز جملة من المقترحات قد تعين أهل القرار على إيجاد حل مقبول لهذا الإشكال:
المقترح الأول: بلورة آلية بين الخزينة العامة للدولة ومعادن موريتانيا لشراء الكميات وإبعاد البنك المركزي عن المخاطر المحيطة بعملية كهذه ولكن لهذا المقترح سلبية لا يمكن تجاهلها حيث أن المخاطر سيتم نقلها إلى الخزينة دون تمكن هذه الأخيرة من تدعيم موجودات رصيدها بالبنك المركزي بما يقابل ما سيتم اقتناؤه من ذهب إضافة إلى عدم الجاهزية المحتملة للخزينة لتغطية مثل هذه العمليات والتي لا تدخل ضمن حيز اختصاصاتها التقليدية.
المقترح الثاني: قيام وزارة البترول والطاقة والمعادن ووزارة المالية بالتفاوض مع شركة تازيازت لمنحها حصرية شراء كميات الذهب من التنقيب السطحي وإدخاله ضمن منظومة انتاج وتصدير هذه الشركة بما يحفظ مصالح المنقبين ويضمن عوائد للاقتصاد. قد يواجه تمرير هذا المقترح صعوبات تتعلق بممانعة تازيازت لإقحامها في حيز خارج بنود الاتفاق المبرم معها أصلا ولكن من شأن اعتماده خلق مناخ اجتماعي ايجابي بين الشركة والمنقبين.
المقترح الثالث: تحرير تصدير كميات الذهب السطحي وذلك بإحداث نظام وكلاء تجاريين معتمدين من طرف وزارات البترول والطاقة والمعادن والمالية والتجارة والبنك المركزي وعبر رقابة جمركية فعالة. طبعا ينبغي ربط منح الاعتمادات للوكلاء التجاريين بتعبئة ضمانات مالية من طرف هؤلاء وبمبالغ تضمن تغطية المخاطر المحتملة لعدم الوفاء بالالتزامات ومن شأن اعتماد هذا المقترح تحييد المخاطر على الطرف العمومي وضمان تمهين هذا القطاع المهم نظرا لما يوفره من فرص شغل ومن عائدات مالية.
ختاما من المهم تكرار ما بدأت به هذه التدوينة وهو ضرورة إخراج البنك المركزي وبسرعة من هذه العملية للمخاطر الجمة المرتبطة بها كما ينبغي مواصلة الجهد المهم الذي تقوم به الدولة لإسناد وتأطير وتمهين قطاع التنقيب السطحي عن الذهب فهذا القطاع يوفر آلاف فرص العمل ويشارك بحيوية في الدورة الاقتصادية بالبلد.