لقد أنفق بعض الأصدقاء جهدا كبيرا ووقتا طويلا لإقناع الناس بأنّ عزيز لن يغادر السلطة بعد انتهاء مأموريّته؛ أعتقد أنّهم لو أنفقوا نصف ذلكـ الجهد وذلكـ الوقت لإقناع الناس في المدن والأرياف أنّه انتهى ومُنتَهي ومُغادرٌ لا محالة 2019، لكان ذلكـ أفضل. ومن الغريب جدّا أنّ هؤلاء الأصدقاء ويحي ولد حدمين يحمِلون إلى المواطن نفس الرسالة، وهي : بقاء ولد عبد العزيز وعدم مغادرته.
ولد حدمين يحملها متبشبثا بولي نعمته ورافضا لمغادرته، وهم يحملونها بداعي طبيعته الانقلابيّة والتسلطيّة، إلخ. والنتيجة واحدة !؟
غير أنّ ولد حدمين يربح وحدة موالاته ورصّ صفوفها كي لا تتشظى وتتناثَر قبل الاستفتاء والانتخابات البلدية والبرلمانية القادمة. أما الأصدقاء، والله لا أدري حتى الآن ماذا يتَوَخون من وراء تأكيدهم الدّائم وتصميمهم على أنّ عزيز باقٍ، باقٍ؛ بدل التّركيز على أنّه مغادرٌ، مغادرٌ بعد انتهاء مأموريته !؟
المهم، الآن وبعد أن قاطعت المعارضة الاستفتاء وتركت النظام يعبث بالصناديق كما يشاء، فليس أمامها سوى مواصلة الضغط والرّفض والتعبئة ضد النتائج المترتّبة عليه؛ ولكنها في الوقت ذاته مطالبة بفتح آفاق نضاليّة جديدة، ومن ضمنها التحرّكـ والبحث عن أفضل طريقة ممكنة لتنظيم انتخابات برلمانيّة سابقة لأوانها، والبدء من الآن في الإعداد والاستعداد للفوز بها وبالانتخابات الرئاسيّة من بعدها. أعتقد أنّ ذلكـ أجدى وأسلم من الجلوس والتكذيب والتفنيد والانتظار. واسمحوا لي هنا أن أطرح سؤالا وأجيب عليه. السؤال :
هَبْ أنّ المعارضة بقيَت على تشكيكها ونفيها مغادرة عزيز، ثمّ جاءت 2019 وتبيّن للناس فعلا أنّ الرّجل لا يسعى لمأمورية ثالثة، ماذا سيحصل؟ الجواب : أخشى ما أخشاه أن ينال الرجل بقراره المغادرة، رغم تشكيكـ المعارضة فيه وإلحاح الموالاة على بقائه، أن ينال شعبيّة واسعة وسمعة تجعله قادرا على استخلاف قميصه أو منديله أو ربطة عنقه، إلخ !
يا جماعة الخير، موريتانيا اليوم على مشارف مرحلة جديدة وصعبة من حياتها السياسية، ومن حقّها أنْ تتطلّع إلى الخروج منها بسلام وأمان. إنّ التناوب السلمي على السلطة بمعناه القانوني - انتقال السلطة من يد إلى أخرى- بات أمرا متوّقعا لا محالة، إلاّ في حال انزلقت الأمور نحو المجهول (لا قدّر الله) قبل أو فَور انتهاء مأمورية الرئيس 2019.
وأمّا التناوب بمعناهُ السياسي الذي هو انتقال السلطة من فَرِيق إلى آخر، فهو مُمكنٌ جدّاً بشرط أنْ تعمد الحكومة منَ الآن إلى اتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات تصحيحيّة بهدف التهدئة وطمأنة المعارضة على العملية السياسية، و من ثمّ إقناعها بالمشاركة في هيئات الإعداد والإشراف والتنفيذ والمتابعة.
وأمّا الشرط الثاني، فهو بيَدِ المعارضة.
عليها أنْ تبدأ في لمّ شملها وبناء صرح كُتْلة سياسيّة حقيقيّة، قوية ومُوحّدة حول برنامج حكومي جامع ولوائح مشتركة قادرة على منافسة الطرف الآخر؛ لا التحالفات"المفبركة" و"المؤقتة" التي تقوم على وحدة "اللاّءات" و"اللاّءات" فقط (كما يقول د.إبراهيم إبراش).
إنّ ذلكـ النمط من التحالفات قد يساعدُ على "التأزيم" ولكنّه لا يساعدُ على "التغيير"، ولا يخدمُ الانتقال الديمقراطي. لقد أثبتت التجربة أنّ وحدة "اللاّءات" والتحالفات من الأعلى لا تفيد شيئا في واقع التشرذم والتجزئة والانقسام الذي ينخرُ جسم المعارضة منذُ 24 سنة، ويرسلُ برسالة سيئة إلى الناخب الموريتاني بخصوص جدّيتها ومدى قدرتها على إزاحة الفريق الآخر.
في الختام وبكلمة واحدة، أقول إنّ فوْزَ المعارضة في الاستحقاقات القادمة احتمال وارد تماماً ومنطقي بالنظر إلى درجة الاحتقان والاستياء العام في صفوف الشعب، بل أكثر من ذلك، أقول إنّه الاحتمال الأرجح والسناريو الأوفر حظا،،، متى تحرّرت من قيودها وشمّرت عن ساعدها وقطعت نهائيا مع الموقف "السّلبي" و"الرّفضوي" وما يلازمه من "تردّد" و"تباطؤ" و"تثاقل" على الأرض، وتحرّكت باتجاه موريتانيا الأعماق بقدرٍ من التّفاؤل والإيجابيّة والثقة في النّفس،،، كما فعل الغامبيّون !
بقلم: محمّد فال ولد بلاّل