الأمم الفاشلة هي التي تُضيع التّاريخ وترفس الحق وتجحد الأيام، وهي التي تزيل الآثار لتحجب الشّمس باللّثام والخمار والنّقاب، نحن بحاجة إلى الكشف عن أيام العزّة ونفض الغبار عن إرث مخضّب بدماء الشهداء الزّكية، ومجدٍ نديّ بعرق الجبين، لأننا بضياع التّاريخ نقضي على الثّروة الزّاخرة بمعدن صامد أمام حناجر تُحسن التّقول بجلبةِ المنهزم وتسويف المُحبط، نحن أمام أخطبوط يتحرك بكل الاتجاهات، أخطبوط قادر على السباحة عكس التيار، أخطبوط عديم الرّؤية لا يدرك أنه ينفث السّموم من خلال الأرجل و"الرّجال" داخل بحر عميق!
إن عملية نزع النّقاب عن هذا الإرث أسهل وأهم بكثير من التّنقيب عن خطاب فريّ لم نسمع له سمياً، فلم تُذغه بنات الشّفاه، ولم تلده العَواقِر، وإن الجيوش التي تجمع أفرادها من شتات المُدانين والمَارقين، هي وحدها القادرة على المراهنة على الهزيمة، فلن تحلم بالنّصر ولن يلوح لها بريقه، مهما كان مصدر العتاد، وإن معارضةً مختلفة في الطرح والمنهج متّفقة على حبّ المال والسّلطة لن تحقق انتصارا لنفسها ولن تحرز للوطن غير الخراب والدمار...
أي مسوغ لجلوس الإسلامي والعلماني على مقعد واحد، وأي معنى لاجتماع مغلق بين اليمين واليسار، وأي دلالة لتعلق أهل المبادئ بأهل المال؟ ماهي الايحاءات التي ترمز إليها هذه الصّور؟ وأي قراءة يمكن أن ننزع بها تشفير هذا الطّلسم؟ إنها نفس الشّروح التي تم وفقها توزيع الخطاب الزّائف عن مسألتي تغيير العلم والنشيد الوطنيين، خطاب حاول أن يجعل النشيد الوطني الجديد لوحة تمثالية ترمز لشخص معين، وهل يُتَصور أننا عزفنا أكثر من خمسين حولا على نشيدٍ امتنانا لغير الله والوطن، وأننا وقفنا لعلم لا يرمز لهذه الأرض وهذه الهوية؟؟
النشيد الوطني الذي تعلمته وعَلمتُه هو درس في العقيدة، وهو إناء من المعاني، وهو بنية لغوية متماسكة الأطراف، والنشيد المنتظر سيكون صيحة وطنية تبعث مضامين أخرى سنغنيها كما يغنى حماة الحمى، وحماة الديار، وتغني بلادي، وكما يعزفون "لاماسييز"... وكما تُغنى كل الأناشيد الوطنية في الدنيا، أناشيد تحمل الحس الوطني، وتبعث محطّات النّشأة...
الشعب أيها المتصارعون مع الحق يريد حوضا آمنا ورزقا هينا، وصوتا صادقا، الشعب أيها السائرون في دجى الرّغبة يريد كلمة طيبة بصوت جهُور.
بقلم: محمد ولد سيدي عبد الله