باريس- “القدس العربي”:
في مقال تحت عنوان: “عشر سنوات من التوتر الدبلوماسي”، ضمن ملف طويل نشرته مجلة “لوبوان” الفرنسية عن العاهل المغربي محمد السادس (حياته الخاصة في فرنسا، وعلاقات بلاده المتوترة مع باريس)، قالت مجلة “لكسبرس” إن الأمور بدأت بشكل جيد بين العاهل الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وزار الأخير الرباط بعد مرور شهر واحد فقط على تنصيبه في عام 2017 رئيساً لفرنسا. كانت لديه مهمة دقيقة تتمثل في استعادة العلاقات التي تدهورت خلال فترة سلفه فرانسوا أولاند (2017-2012). ففي شهر فبراير من عام 2014، ألقت لائحة الاتهام الموجهة في فرنسا ضد عبد اللطيف الحموشي، رئيس المخابرات المغربية، المقرب من الملك، بارتكاب “أعمال تعذيب”، برداً ثلجياً على العلاقات بين البلدين.
ما يزال كل شيء بحاجة إلى الإصلاح بين فرنسا والمغرب، فالرباط “لم تقبل” عرض المساعدات الإنسانية الفرنسي بعد الزلزال، ولم تظهر أي علامة على ذوبان الجليد
واستمر الخلاف لنحو عامين، وكانت له عواقب وخيمة، تلك المتعلقة بحرمان المخابرات الفرنسية من المعلومات الأمنية المغربية. ولم يمكن سفر برنار كازنوف، وزير الداخلية الفرنسي وقتها، إلى الرباط ومنحه وسام جوقة الشرف لعبد اللطيف الحموشي، كافياً.
وحتى اليوم، تضيف المجلة الفرنسية، ما يزال كل شيء بحاجة إلى الإصلاح، كما أظهرت أحداث الأيام الأخيرة. فالرباط “لم تقبل” عرض المساعدات الإنسانية الفرنسي بعد الزلزال، ولم تظهر أي علامة على ذوبان الجليد. ومن بين أمور أخرى، فضيحة بيغاسوس في عام 2019، حيث اتُهم المغرب باستخدام برنامج “بيغاسوس” الإسرائيلي للتجسس على المعارضين والأعداء في فرنسا، وأيضا الرئيس إيمانويل ماكرون. وشهدت هذه القضية عودة الحموشي نفسه إلى الواجهة، كما تقول “لكسبرس”.
في نهاية عام 2022، لم تتحمل الرباط أن يتهمها الاتحاد الأوروبي بالفساد. والأسوأ من ذلك، أن يتم استهدافها في يناير من قبل أعضاء البرلمان الأوروبي بشأن مسألة حرية الصحافة، خلال التصويت الذي كان ستيفان سيجورني، رئيس مجموعة حزب الرئيس الفرنسي ماكرون (النهضة) في البرلمان الأوروبي، أحد مهندسيه الرئيسيين.
وبدلا من الدفاع عن المغرب مع حلفائه في الاتحاد الأوروبي، تستخدم باريس نفوذها في بروكسل للانتقام من شركة بيغاسوس. وفي خريف عام 2021، وانتقاما من عدم التعاون بشأن المهاجرين الذين طردتهم فرنسا، قرر الفرنسيون خفض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة والجزائريين إلى النصف، وتلك الصادرة للتونسيين بنسبة 30%.
والمغاربة الغاضبون من هذا الإجراء الذي يؤثر بشكل رئيسي على النخبة في البلاد، لا يستطيعون تحمل أن يتم وضعهم في صف الأخوة الجزائريين الأعداء.
بالنسبة للمغرب، فإن ماكرون خاضع للجزائر. والوجود المطلق للمؤرخ المؤثر بنجامين ستورا في حاشية الرئيس، يجسد هذا التفضيل الجزائري
أما في المنطقة المغاربية، فإن عبارة ”في الوقت نفسه” التي يعتمدها إيمانويل ماكرون في سياسته، لا تجدي نفعا. ويبدو أن ماكرون مستعد لفعل أي شيء لإصلاح العلاقة مع الجزائر.
فمثلما فعل فرانسوا أولاند من قبل، وضع ماكرون إكليلا من الزهور على جسر بيزون، حيث قُتل نحو 100 جزائري في 17 أكتوبر عام 1961. وفي خطابه بالجزائر العاصمة، حين كان مرشحا للرئاسة، قال ماكرون إن “الاستعمار كان جريمة ضد الإنسانية”.
بالنسبة للمغرب، فإن ماكرون خاضع للجزائر. والوجود المطلق للمؤرخ المؤثر بنجامين ستورا في حاشية الرئيس، يجسد هذا التفضيل الجزائري. ولذلك، فمن المستحيل أن تطبق السلطة التنفيذية الفرنسية على المغرب العربي سياسة “في الوقت نفسه” العزيزة على ماكرون.
وهناك موضوع ساخن يوضح ذلك جيدا: الصحراء الغربية. تاريخيا، لم تظهر فرنسا أبدا عداء لمطالب الرباط. وفي عام 2001، أطلق الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك على هذه المنطقة اسم “الأقاليم الجنوبية” وهو مصطلح مغربي. لكن منذ ذلك الحين لم يتغير شيء. وظلت باريس متمسكة بموقف الأمم المتحدة: تنظيم الاستفتاء.
إلا أن فرنسا باتت اليوم متخلفة عن الركب فيما يتعلق بالصحراء الغربية، تقول “لكسبرس”. ففي 10 ديسمبر 2020، حدث تطور بارز بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. في المقابل، تعهدت الرباط بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وفي مارس 2022، أعلن الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز بدوره أن خطة “الحكم الذاتي” المغربية لإقليم الصحراء هي “الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع”.
ونتيجة لذلك، وجدت فرنسا نفسها متخلفة عن الركب. والأسوأ من ذلك، أن المغرب بات يعتبر ملف الصحراء “النظارة التي ينظر بها إلى العالم، والمعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”، كما شدد على ذلك العاهل المغربي في خطاب في نهاية أغسطس 2022.
الفرنسيون مقتنعون بأن العلاقات مع المغرب يجب أن تدخل حقبة جديدة. وتفكر باريس في إنشاء شراكة جديدة مع الرباط، تعتمد بشكل خاص على القضايا الأمنية في منطقة الساحل
بالنسبة لفرنسا فإن المعادلة معقدة. فالانحياز إلى مدريد، ولو بإعلان رمزي، يعني الانحياز إلى الرباط، وهو ما سيؤدي حتما إلى تدهور العلاقات بين باريس والجزائر. إذا ما العمل تتساءل المجلة الفرنسية. وتقول إن هناك شيئا واحدا مؤكدا، هو أن الفرنسيين مقتنعون بأن العلاقات الفرنسية المغربية يجب أن تدخل حقبة جديدة.
ومن هنا يأتي التفكير الحالي في باريس حول إنشاء شراكة جديدة، تعتمد بشكل خاص على القضايا الأمنية في منطقة الساحل، حيث إن البلدين مهتمان بالعمل معا حول هذا الموضوع. وهي طريقة لإعادة العلاقة المتضررة إلى الحركة مرة أخرى، ولكن بطريقة أكثر تناسقا، تقول “لكسبرس”.
وتشير المجلة إلى أن هناك حوالي 1.5 مليون فرنسي مغربي في فرنسا، وأكثر من 50 ألف فرنسي في المغرب، حيث توجد 6 قنصليات، و45 مدرسة فرنسية، و38 شركة فرنسية.