سياسة الإفك : دوس على الأخلاق أم مكيافيلية متوحشة ؟

6 سبتمبر, 2017 - 12:01

لقد نتج عن الإنفتاح الديموقراطي الذي شهدته بلادنا ، وما صاحبه من حرية إعلامية ، تزامنت مع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي جو غير مسبوق من الحرية بدأ يطرح من حين لآخر بعض المسائل والإشكالات من حيث كيفية ملاءمة هذه الحرية مع الضوابط الأخلاقية وحدود المألوف والمتعارف عليه اجتماعيا ودينيا.
ولست في هذا المقال بصدد البحث في جدلية الأخلاق والسياسة. فذلك مبحث تناوله الفلاسفة ، علماء الإجتماع، والمشتغلون بالعلوم السياسية وأجمععوا - تقريبا - على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية ، وأنماط الأنظمة السياسية ، والمنظومات القيمية ، والسلوكيات الإجتماعية التي عايشوها أو سادت في عصورهم - أجمعوا على حصر المفهومين السياسي والأخلاقي في تعريف يمكن تبسيطه لحد القول إن السياسة هي فن تدبير وتسيير وقيادة الجماعة (البشرية) نحو الأفضل وإن الأخلاق هي منظومة المثل والقيم التي توجه نفس الجماعة الى الأفضل.
وهكذا يمكن طرح الإشكال المتعلق ببلادنا على النحو التالي : هل تعكس الممارسة السياسية في تجلياتها ( ومظاهرها) حضور الجانب الأخلاقي الذي يفترض به أن يوجه الفعل السياسي نحو الهدف المثالي ( الأخلاقي) ؟؟
لمحاولة الإجابة على هذا الإشكال يجدر بنا إمعان النظر في خصوصية ديموقراطيتنا فعلى الرغم من وجود أغلبية تحكم ، إلا أنه توجد عندنا معارضتان على عكس الديموقراطيات الأخرى . إحدى هاتين المعارضتين تلعب دورها الطبيعي كثقل مضاد. تنتقد أداء الأغلبية وتقترح البديل معترفة بشرعية المؤسسات التي هي جزء منها. أما المعارضة الأخرى المعروفة بالمعارضة المقاطعة أ و معارضة المقاطعة ( أو القطبعة ) فهي لا تعترف بشرعية النظام إلا اذا كان في ذلك مصلحة حزبية ضيقة أو صادف هوى عند بعض قادتها. لذا فهي عبارة عن مجموعة من الكيانات ( أحزاب وأفراد) تجمعها "معارضة" حتى لا نقول بغض رئيس الجمهورية ، وتفرقها أشياء كثيرة أخرى. ونتيجة لغياب التجانس واختلاف المشارب بل وتناقضها أحيانا فهي لا تجتمع إلا عندما يتعلق الأمر بتوجيه بعض "الأذى " أو " الضرر" لشخص رئيس الجمهورية. حتى ولو كان ذلك على حساب أبسط القواعد والنظم الأخلاقية ، أو كان انتهاكا صارخا لخصوصية الحياة العائلية وحميميتها ، فتحقيق الهدف "السياسيوي" الرخيص والقريب المدى يبرر في نظرها أي وسيلة لتحقيقه مهما كانت درجة اصطدامها بالدين والعرف والأخلاق..قد تجد هذه المعارضة بعض الدعم "المرجعي" عند الكاتب الإيطالي المشهور في القرون الوسطى "مكيافلي" الذي دعا في كتابه " الأمير" الى عدم اعتبار الضوابط الأخلاقية عقبة في سبيل تحقيق الأهداف السياسية. لكنه لم يصل - كمعارضتنا - لحد الولوغ في الأعراض وهتك الخصوصيات . فذلك "شأو" لم يسبقها اليه أحد..
أخيرا حبذا لو راجعت معارضتنا المقاطعة مجمل سياساتها وأعادت بناء مواقفها على أسس واقعية وموضوعية و بعيدا عن المزاجية الانفعالية ، لتتأكد أن الأخلاق هي نتيجة للحق والعكس ليس صحيحا . ولتفهم أن الخير والشر قيمتان أخلاقيتان لكنهما تخضعان لقيمتين سياسيين هما العدل أوالظلم. حينها فقط ستكون عندنا - كغيرنا - معارضة واحدة تطمح مثل الأغلبية - على اختلاف في الرؤى - الى تحقيق المصلحة العليا سياسيا وأخلاقيا.

بقلم: الناجى عبد العزيز

 

 

 

 

 

 

اعلانات