تملك موريتانيا ثروة حيوانية كبيرة تقدر اعتباطيا ب 2.9 مليون من المجترات الكبيرة، و13 مليون من المجترات الصغيرةوهو ما يساوي 3.5 مليون وحدة حيوان مدارية UBT.
إن أنظمة الإنتاج التقليدية السائدة والمعتمدة علي إنتاجية المراعي الطبيعية،لم تعد قادرة علي تلبية احتياجات القطاع نظرا للخلل الناتج عن الضغط علي المراعي الطبيعية ،سواء كان بسبب الجفاف أو كثرة قطعان الماشية ،حيث أن تحسن الصحة الحيوانية أخل بالتوازنات الطبيعية القديمة ،مما أدي إلي عجز الإنتاجية الأولية عن توفير احتياجات قطعاننا والمقدرة ب 8.7مليار وحدة علفية UFالأمر الذي أجبر المنمين علي إدخال مكملات غذائية وهي في الغالب أعلاف مركزة في الفترات الصعبة أي أشهر الصيف حيث تتدني قيمة المراعي الغذائية أو تنعدم أساسا.
هل نحن امام سنة قليلة المراعي؟
تتعرض بلادنا بشكل مستمر لتناوب بين السنوات الممطرة والجافة، ويبدو للأسف بأن السنة الحالية ستكون سنة صعبة على المنمين، بسبب نقص الهطول المطري وتذبذبه وانقطاعه لمدة 40 يوما، في ولايات عديدة، مما انعكس سلبا علي جودة وكم المراعي على عموم التراب الوطني، ومما يؤسف له ان يطلق هذا الكلام اعتمادا علي الملاحظات والمعلومات الشخصية، دون ان تكون هنالك جهة قادرة علي اعطاء رقم دقيق لإنتاجنا من المراعي!.
ان كل المؤشرات تؤكد للأسف الشديد اننا امام سنة سينقص فيها الكلأ بشكل شديد، فمن المعروف ان بداية موسم الامطار تتذبذب كثيرا، لكن نهاية الموسم لا تعرف تباينا يذكر، كما ان التوقف الذي جري لأكثر من شهر سبب تقزما للأعشاب، مما أحدث اضطرابا في دورةحياتها، حيث ستزهر وتثمر معطية ما تيسر، ولن تكون قادرةعلى توفير كتلة المادة الجافة الضرورية لتوفير احتياجات الحيوان خلال أشهر الصيف.
ان اعتماد صناع القرار على مؤشر الهطول المطري لوحده خطأ جسيم ،فقد يكون مستوي الهطول فوق المعدل، ومع ذلك تكون السنة قليلة المراعي، ويعود ذلك لعدة عوامل تتعلق بطول موسم الامطار ،وفترات توقف الهطول، ومدي توافق الهطول مع دورة حياة النبات، ومعدلات الحرارة وشدة الرياح، وبقايا الحشائش من الموسم السابق ،ونوع وكم الحيوانات التي ترعي، فكل تلك العوامل تؤثر على الديناميكا الرعوية ، Dynamique pastoraleمما قد يؤدي الي سيادة انواع نباتية علي حساب اخري ،وبالتالي تأثر المراعي كما ونوعا ،فقد تكون المراعي غنية ووفيرة ومتوازنة لتضم ثنائيات الفلقة Dicotylédones (ربيعالوركة) وخصوصا البقوليات المغذيةLégumineuses،والنجيلياتGraminées (ربيعالحشيش) التي تضمن المادة الجافة في فترة الصيف ،وقد تكون فقيرة وتتلف بسرعة خصوصا عندما تكون السيادة فيها لثنائيات الفلقة او الانواع الغير مستساغة مما يعني نقصا في المراعي ، او ان تكون متقزمة ببساطة بسبب نقص الماء بشكل عام او عدم توفره في اوقات حاجة النبات الماسة اليه.
وزارة من غير لوحة قيادة
إن غياب ارقام يُركن لها لتقدير ماشيتنا وغياب مرصد وطني رعوي يكون قادرا على تقدير انتاجية المراعي بشكل دقيق ،وتحديد مستويات للإنتاجية تُعلن عندها حالة الطوارئ سواء كان ذلك على المستوي الجهوي او الوطني، يجعل الجهات المختصة تتخبط في ظلام دامس، فغياب تلك البيانات يحرم صناع القرار من لوحة القيادة فعدم القدرة علي تحديد الميزان الرعي Bilan fourrager الوطني والجهوي، يعني بان الوزارة لا تملك امكانية استشراف المستقبل ،ويضعف قدرة التخطيط لديها، ويمكن التأكد من غياب تلك اللوحة عند جرد عدد الحيوانات الملقحة ومقارنة ذلك علي العدد مع الارقام المحنطة الموضوعة علي مكاتب الوزارة، ان اعتماد الوزارة في تقدير جودة المراعي وغناها علي مؤشر الهطول المطري، دون القيام بعمليات تقدير ميدانية علي عموم التراب الوطني لتقدير كتلة المادة الجافة الارضية والهوائية ينم عن خلل بنيوي يجب اصلاحه في اسرع الآجال .
معركة القحط تكسب اثناء الخصب
تعودنا في الماضي ان نشبك السواعد حتي شهر يونيو ،لتبدأ الجهات المختصة تحت ضغط المنمين بالتحرك لتقدير الاحتياجات واعداد لوائح المستفيدين، وابرام العقود ،ونقل وتخزين وتوزيع الاعلاف في الوقت الضائع ،فالعديد من الحيوانات بلغ منها الهزال العظم ،ولم تعد ذات جدوي اقتصادية اصلا ،ناهيك عن الإرباك والتكاليف الباهظة نتيجة الطابع الاستعجالي للخطة ،خصوصا فيما يتعلق بعقد الصفقات والخدمات اللوجستية ،وكأننا نتعامل مع زلزال ,بينما نحن امام ظاهرة طبيعية معروفة النتائج قبل اشهر عديدة، وكان بالإمكان الاستعداد بشكل جيد ومدروس ،في حين يقود الاستعجال الي مشاكل عديدة كعدم القدرة علي توزيع الاعلاف في الوقت الملائم، او سوء التخزين ،مما سبب لها الاشتعال في السابق،او ان تكون بموصفات رديئة، وعدم شفافية كل العملية، وسوء التوزيع وارباك الادارة الاقليمية..الخ.
سبل إدارة الازمة
اجراء احصاء شامل للماشية؛
انشاء مرصد وطني للمراعي؛
تطوير زراعة الاعلاف؛
انشاء قاعدة بيانات لملاك القطعان؛
وضع خطة شاملة للتدخل تُفعل وفق مستويات محددة مسبقا، وتبين بشكل جلي اسهام الدولة والمطلوب من المنمين.
من غير المقبول ان يظل أحد اهم القطاعات الانتاجية يدار بالخطط الاستعجالية الغير مبنية على المعطيات العلمية، مما يسبب هدرا للمال العام وارباكا للجهد الحكومي.
المهندس: الهيبة سيد الخير