مع أن قرار تحرير الإعلام السمعي البصري في موريتانيا شكّل إنجازًا كبيرًا في مجال الحريات بعد أن كان مطلباً لدعاة حرية الرأي والتعبير، حيث ساهم في تحسين مناخ الحريات في البلاد ورفع موريتانيا الى صدارة الدول العربية في مجال حرية الصحافة لسنوات متتالية قبل أن تتراجع للمركز الثاني العام الماضي، إلا أن غياب التمويل والمستثمرين شكل عائقاً في وجه استقلالية هذا القطاع وحدّ من قدرته على أداء الدور المنوط به المتمثل في الاستجابة للاحتياجات الديمقراطية والثقافية للمجتمع.
أزمة تمويل
بعد المصادقة على تحرير الفضاء السمعي البصري في العام 2010، ظهرت مؤسسات إعلامية مستقلة، ضمت قنوات وإذاعات، إلا أنها واجهت أزمات حقيقية في مجال التمويل فاقم من حدتها انعدام قانون منظم للإعلان التجاري، وانحسار الدعم العمومي للقطاع.
ومع أن التشكيلة الجديدة للإعلام السمعي البصري الخاص تضم إعلاماً حزبياً وآخر تجارياً، إلا أن غياب الموارد المالية المنتظمة بقي السمة المشتركة بين الصنفين، الأمر الذي أدى إلى إعلان بعض الإذاعات المستقلة لإفلاسها بعد عجزها عن تسديد رواتب عمالها، كما قاد بعض الإذاعات الأخرى لوقف بثها خلال فترات معينة بل وجعل بعضها عرضة للافلاس وأدخل ملاّكها في دوامة الديون.
وكانت إذاعة "موريتانيد" أول محطة إذاعية مستقلة تعلن إفلاسها في عام 2015، قبل أن تتبعها إذاعة "نواكشوط الحرة" التي أوقفت بثها لأكثر من ستة أشهر بسبب وضعيتها المالية، ثم إذاعة "صحرا ميديا" المستقلة التي توقفت بشكل نهائي.
كما تم توقيف بث بعض المؤسسات الإعلامية الأخرى لعجزها عن دفع ديونها بعد وقف صندوق دعم الصحافة المستقلة، الذي كان يساعد في التخفيف من وضعية العجز المالي التي تعيشها المؤسسات الإعلامية الخاصة في البلاد، وإصدار قانون خاص يحرم وسائل الاعلام غير الحكومية من مصادر التمويل والدعم وتشديد شروط الاستفادة من مزايا الاعلانات والاشتراكات الحكومية.
ويعتبر الصحافي لمين ولد سيدي أحمد أنّ منع المؤسسات غير الحكومية من مصادر الدعم سياسية ممنهجة لخنق الاعلام المستقل تهدف الى القضاء النهائي على القطاع الصحافي في البلاد. ويضيف أنّ "حرمان وسائل الإعلام غير الحكومية من الدعم المباشر ومن الحصول على الاشتراكات والإعلانات والتكوين، سيزيد من هشاشة وضعية وسائل الإعلام الحرة وسيقوض دعائم الديمقراطية والحرية في موريتانيا".
ويشير إلى أنّ هذا القرار يهدف إلى خنق وسائل الإعلام المستقلة والضغط عليها لتغيير خطها التحريري، مؤكدًا أنّ الاستمرار في تطبيق القرار سيقضي نهائياً على المؤسسات الصحافية الباقية، ومطالباً بضرورة حماية الصحافة لتقوم بالدور المنوط بها.