على وقع توتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في السنغال، يستعد البرلمان ذو الغالبية المعارضة لمثول الوزير الأول عثمان سونكو أمامه، من أجل تقديم السياسة العامة للحكومة بعد أزيد من 5 شهور على توليه المنصب.
وتبدو هذه الخطوة في ظاهرها على الأقل مجازفة كبيرة، إذ تأتي بعد نحو أسبوع من تصويت البرلمان ضد مشروع تعديل الدستور المقترح من طرف رئيس البلاد بصيرو ديوماي فاي، من أجل إلغاء المجلس الأعلى للجماعات المحلية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وردا على التصويت البرلماني ضد ما تريده السلطة التنفيذية، أقال الرئيس بصيرو بمرسوم صادر عنه رئيسي الهيئتين الدستوريتين آمناتا مبينع نداي رئيسة المجلس الأعلى للجماعات الترابية، وعبد الله داوودا ديالو رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وأعلن الوزير الأول عثمان سونكو في فيديو تم تداوله على نطاق واسع، أن البرلمان سيتم حله في غضون أيام قليلة، وأن الملتمس الرقابي الذي يسعى له فريق “بينو بوك ياكار” لن يتم في أفق 12 من سبتمبر الجاري.
وتشبه هذه الأزمة في جانب منها الأزمة التي حصلت لنظام الرئيس السابق ماكي سال، حيث لم يحصل تحالفه في انتخابات 2022 التشريعية على أغلبية مطلقة، وكان حينها بحاجة لنائب واحد من أجل إحرازها، بينما كان تحالف عثمان سونكو وعبد الله واد، بحاجة إلى انضمام 3 نواب من أجل الحصول على أغلبية مطلقة، بعد إحرازهما معا 80 مقعدا من أصل 165 هي عدد مقاعد البرلمان السنغالي.
وقد حسم الجدل بإعلان اباب ديوب – وهو واحد من 3 نواب مستقلين في البرلمان – انضمامه للتحالف الداعم للنظام، ومنذ ذلك الوقت باتت لدى ماكي سال أغلبية برلمانية، وبعد خروجه من السلطة، تحولت تلك الأغلبية الموالية إلى المعسكر المعارض.
فهل سيلجأ بصيرو وسونكو إلى البحث عن 3 نواب للانضمام إلى التحالف الداعم لنظامهما مقابل ضمانات معينة، وبذلك يتراجع النظام عن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة؟ أم أنهما سيبحثان فقط عن دعم مؤقت من أجل تمرير السياسة العامة للحكومة، وبعد ذلك يتم حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة؟
إن النظام السنغالي الحالي لا يوجد لديه خيار آخر لتمرير مشروع سياسته العامة في غياب توفره على أغلبية برلمانية، وخارج الاحتمالين المذكورين، فإنه يكون قد اتجه نحو إعادة سيناريو التصويت على تعديل الدستور.
ويبدو أن النظام سيختبر البرلمان قبل تقديم السياسة العامة للنقاش والتصويت، فصباح الاثنين سيمثل وزير العدل أمام النواب لتقديم مشروع قانون حول اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، قبل عرضه على التصويت.
وفي المساء سينظر النواب كذلك في مشروع قانون يسمح لرئيس الجمهورية بالمصادقة على اتفاقية للاتحاد الإفريقي تعنى بالتعاون عبر الحدود، وستحضر بالمناسبة وزيرة الخارجية لتقديم المشروع وطلب إجازته.
ولكن إذا لم تكن هناك توافقات تم التوصل إليها من قبل، نجح بموجبها النظام في اختراق صفوف التحالف المعارض، وضمن أصواتا جديدة لصالحه، فإن بصيرو وسونكو يتجهان نحو هزيمة جديدة في البرلمان، وهو أمر غير مستساغ، فالأرجح أنهما لن يقبلا باللدغ من ذات الجحر مرتين.
إن الأولى بالرئيس المنتخب قبل أشهر قليلة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية – الأمر الذي لم يسبق أن تحقق في التاريخ الانتخابي للبلاد – أن تكون لديه أغلبية برلمانية منتخبة، تضمن له بسلاسة تمرير مشاريع القوانين دون الوقوع في أزمة مع السلطة التشريعية.
ولا شك أن دخول السنغال نادي الدول المنتجة للنفط، واستعدادها لدخول نادي البلدان المنتجة للغاز، يجعلها بحاجة إلى التشريع والرقابة، وهو ما يفرض الابتعاد عن الأزمات بين السلط، والعمل المشترك في إطار احترام القوانين والمؤسسات، الذي كثيرا ما اشتهرت به البلاد منذ استقلالها قبل نحو 6 عقود ونصف.