تعتمد الحياة الاقتصادية في موريتانيا، من حيث مردودية الخدمة ـ رغم غنى باطن أرضها بالمناجم ـ ، على القطاع الأولي (الزراعة والرعي) ويعاني هذا القطاع من عدة تحديات أبرزها العامل الطبيعي ، حيث تواجه نشطاء الزراعة والرعي مشاكل مناخية جمة تتمثل في تقلص الأراضي الصالحة لمزاولة أنشطتهم بسبب تقلبية المناخ التي ينجر عنها تقهقر في التساقطات المطرية بما يجعل الكميات المتساقطة لا تأتي بشكل منتظم سنويا، بل تتزايد في سنة بكمية تأخرت عنها في أخرى وتتناقص في السنة الجارية عن كميتها في تلك المنصرمة. متخلفة تارة و متقدمة أخرى في الزمان.
وفي ظل وضع هكذا ينبغي للدولة أن تعمل على تكييف الجهود المتاحة مع الظروف المناخية السائدة في البلد، من خلال توفير الحلول التي تجنب ساكنة الريف في السنوات الشداد من ضياع المواشي وتلف الأراضي القابلة للزراعة، وتشجيعهم على تطوير الأنشطة في السنوات الممطرة.ولا ينبغي أن تكون هذه الحلول حلولا مؤقتة وإنما يجب أن توضع كسياسة تنموية ثابتة تطور المحصود وتعوض المفقود.
ولا شك أن هذه السنة بدت عجفاء بما يكفي لقلق الناشط الريفي وهو يتابع إحجام الطبيعة عن مده بالماء من جهة ويتابع ، كالعادة، سلطة بلده وهي لا تستشعر الخطر بمقاس تحديه الفعلي ! مما قد يحتم عليه التفكير في التخلص من مورده الذي هو مجال نشاطه ومعول اكتسابه.
ولافتراض حلول لهذا الوضع، يترتب على الدولة أن تعمل على دعم التنمية الريفية من شقين: شق يتعلق بتوفير الأعلاف للمواشي وعلاجها هي ومنميها لأن الأوضاع الصحية لهؤلاء المنمين عادة ما تتأثر بحالة العجز التي تصيب ماشيتهم فترغمهم على مضاعفة الجهود لانتشالها فتنهك جهودهم حد الضنى، لأن الأمر يعني بالنسبة لهم إما الحياة وإما الممات؛ خاصة في ظل الشعور بعدم جدية أولي الأمر في البلد تجاه أوضاع المواطنين عند ما تكون الحاجة ماسة إلى توفير خدمة الدولة للشعب وحماية ممتلكاته.
أما الشق الثاني فيتعلق بحالة المزارعين الذين قلصت قلة التساقطات المطرية لهذا العام حظوظهم من الإنتاج فيجب تعويضهم عن نشاطهم التقليدي (الزراعة البعلية) بأنشطة زراعية مروية توفر الدولة وسائل ريها، أو تقديم تعويضات مادية تضمن لهم العيش ما أمكن قبل أن يتحول وضعهم إلى وضع كارثي؛ ويتحولوا من قوة حية يعتمد المجتمع والدولة على نشاطها، إلى عالة تتكلف الدولة بموجبها عبء التدخل القهري لحماية الأرواح من الجوع وتوفير الأدوية بعد حلول الأوبئة.
و لئن كنا نأمل ونتمنى أن تقوم الدولة بهذا المجهود على الوجه المطلوب إلا أننا ، واستنتاجا من حالات مماثلة مرت بها حياة الريفيين منذ الاستقلال ، لا يراودنا شك في أنه لا حل يلوح في الأفق لتفادي هذا الخطر، لأن النظام الحاكم في موريتانيا طيلة ما سبق من تاريخها الوطني، لا يهتم بعلاج هذه القضايا الهامة. ضف إلى ذلك أن النظام الحالي مشغول بمطاردة الأفراد ومصادرة أموالهم بحجج (المؤامرات ) ضد الوطن ، ولم يحرك بعد أي ساكن لدراسة متطلبات المرحلة من حاجة أهل الريف.
ومن المقلق جدا أن المنمين في السنوات الشداد الماضيات كانوا يعولون على الأراضي المالية للانتجاع فيها حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، وفي هذا العام الأراضي المالية تعاني هي الأخرى من قلة في الكلأ بسبب تراجع تساقطاتها المطرية عن معتادها. ثم إن المناطق المطيرة من الأراضي الموريتانية تراجعت تساقطاتها في هذه السنة بكثير عما كانت تتميز به خلال الفترات السابقة، مثل: وسط وشمال الحوض الشرقي ، أجزاء كبيرة من الحوض الغربي، شمال لعصابة وجنوب تڱانت، فضلا عن منطقة آفطوط التي تجمع ، مناخيا ، خصائص خمس ولايات هي : لعصابة ، تڱانت،لبراكنة، غيدي ماغة وڱورڱول.
ومعروف أن هذه المناطق تمثل مراكز ثقل النشاط الريفي ، حيث تتوفر على مساحات زراعية شاسعة وتحتوي على أكبر كمية من رؤوس المواشي بمختلف أنواعها.
وإذا استمر أهل الحل والعقد في البلد في تغاضيهم وتجاهلهم لما بات وشيكا من تحد على صعيد القطاع الريفي، ومواصلتهم في الحرب السياسية، فإن حصاد السياسة سيحل عليهم في وقت لم يعد للمجتمع آذان يسمع بها كلامهم ولا أعين يبصر بها حركتهم ولا أرجل يمشي بها ليصل صناديق الاقتراع لينتخبهم أو يزوروا باسمه نتائج تضمن لهم البقاء!.
جريدة الدرب العربي