أثارت مشاركتي مؤخرا في برنامج شبابي لإحدى القنوات الدولية نقاشا واسعا في الشبكات الاجتماعية حول مشاكل التشغيل والبطالة في بلادنا، وتأتي هذه المشاركة في إطار تبني الحكومة نهج الحوار والانفتاح كمقاربة لمعالجة القضايا الوطنية بشكل عام والقضايا الشبابية بشكل خاص.
وقد تم خلال هذا البرنامج التطرق إلى أسباب البطالة في صفوف الشباب الموريتاني رغم الجهود الجبارة التي قامت بها الحكومة، ووجود فرص كثيرة للعمل في السوق المحلية، ومن ضمن هذه الأسباب: العقلية المجتمعية، بغض النظر عن المؤهلات العلمية لدى شبابنا، وقد قدمنا رؤية تنطلق من الواقع مفادها أن فرص التشغيل مبنية على مبدأ العرض والطلب، وأن عدم ملاءمة بعض التخصصات لا يمكن أن يكون عائقا أمام تشغيل وعمل شبابنا، وأن المشكل يكمن في عزوف أو امتناع أو حتى تكبر أكثرية شبابنا عن مزاولة الأعمال المتاحة، وتركها للعمالة الأجنبية رغم ما توفره من مداخيل باهظة.
إلا أن بعض الأطراف السياسية كعادتها تخرج الكلام من مواضعه، حيث حاولت إخراج الموضوع عن سياقه وتأويله إلى صدام بين التخصصات أو تفضيل بعضها على بعض، وهو إفلاس في الخطاب وتغطية بائسة على عقلية اجتماعية يجب تغييرها، وذلك ما جعلني أُصِرُّ على أن أتساءل:
ـ كيف يعقل أن يتم في بلادنا احتكار فرص العمل في مجال الصيد من طرف الأجانب في الوقت الذي يبرر بعض شبابنا عزوفه عنه بذريعة الخوف من البحر؟
ـ كيف يمكن في القرن الواحد والعشرين أن يعتبر بعض شبابنا العمل في مجال الزراعة مذمة ومنقصة؟
ـ كيف يعقل سيطرة الأجانب على قطاع الخدمات في بلادنا: من مطاعم ومقاهي وورشات العمل اليدوي، في الوقت الذي يجلس بعض شبابنا متفرجين. متذمرين ومشتكين من البطالة؟
ـ كيف يعقل أن يتم في بلادنا احتكار فرص العمل في مجال البناء من طرف الأجانب من دون منافسة تذكر من شبابنا لا في مرحلة البناء ولا في مرحلة تسقيف المنازل، ولا في مرحلة طلائها ولا حتى في مرحلة الزخرفة، في الوقت الذي تفتح فيه مراكز التكوين لهذه المجالات أبوابها للشباب الموريتاني فيتكبربعضهم فلا يقبل عليها، وإن أقبل وتخرج، لا يعمل فيما تخرج من أجله، رغم الأموال الطائلة التي تعود على العاملين فيها؟
ـ ألم يقبل الشباب الموريتاني العمل في الخارج في نفس المجالات المهنية التي يتكبر عن العمل فيها في بلده، عندما رأى بأم عينيه أن المجتمعات قد تخطت تلك العقد الاجتماعية وأدركت يقينا بان العمل كله شرف؟
ـ ألم يتم تشغيل أغلب الشباب في مجال الجيولوجيا لما شهدت بلادنا طفرة في مجال المعادن عندما ارتفعت أسعار المواد الأولية؟
ـ ألم يتم تشغيل أغلب الشباب الدكاترة ذوي الاختصاصات الطبية لما شيدت المستشفيات على عموم التراب الوطني؟
أطرح كل تلك التساؤلات في الوقت الذي يشرفني أن أذكر أنه في إطار تنفيذ الرؤية النيرة لفخامة رئيس الجمهورية في مجال تشغيل الشباب ومواءمة العرض مع الطلب قامت الحكومة بإنجاز مشاريع كبرى تستهدف الشباب نذكر منها لا للحصر:
ـ افتتاح أكثر من 26 مركزا للتكوين والتدريب المهني، لكي يتسنى للشباب (الحاصلين على شهادات، وغير الحاصلين عليها) الراغبين في الحصول على مهارات تمكنهم من الولوج إلى ما تم ذكره آنفا من فرص العمل.
ـ افتتاح أكاديمية في مجال الصيد تضم مختلف أسلاك المهنة، من صيادين تقليديين ومهندسين وجامعيين، وإصدار استراتيجية لقطاع الصيد ترتكز على مرتنة الوظائف المتاحة في القطاع، وخلق فرص للاستثمار المحلي يمكن من خلالها استفادة ودمج أكبر عدد ممكن من الشباب الراغبين في ممارسة المهنة.
ـ فتح خطوط لتمويل المشاريع المتوسطة والصغيرة لصالح الشباب، ورصد مبالغ طائلة لذلك.
ـ افتتاح مدرسة عليا للهندسة بتخصصات متعددة، ستمكن من سد حاجيات البلد من المصادر البشرية الشابة ذات الكفاءة العالية في مجالات قطاع المعادن والتقنيات الجديدة والكهرباء والميكانيكا، والهندسة المدنية والبناء.
ـ افتتاح معهد فني عالي للزراعة في روصو يتم من خلاله تكوين الفنيين الشباب المتخصصين في مجالات مختلفة يحتاجها سوق العمل.
وقد عمدت الحكومة إلى إجبار الشركات الأجنبية العاملة في بلادنا على توظيف الموريتانيين أولا قبل اللجوء إلى الخبرات الأجنبية.
كل ذلك غيض من فيض يجعلني أنبه إخوتي الشباب إلى عدم الانجرار وراء الخطابات السياسية المفلسة والمضيعة للوقت وللحلم وللطموح، وأن يغتنموا تلك الفرص المتاحة من أجل بناء مستقبلهم، لأن الوطن بحاجة إلى جهودهم ومهاراتهم باختلافها.
وهنا أؤكد على أنه لا يمكنني أن أنتقص من تخصصات معينة، وإنما أنبه على ضرورة التخلي عن العقد الاجتماعية والمسلكيات المتخلفة التي لا تتلاءم مع استهلاكية العصر ومتطلباته.
نقلا عن صفحة الوزير محمد ولد جبريل