تتضاربُ وُجهات النَّظر حوْل مَصِير العُملة الموريتانية (الأوقية ) هـذه الأيام بعد قرار الحكومة الموريتانية إعادة النظر فى ترتيب أوراقها و نقودها. جاء خبر التعديل، الذي من المقرر تطبيقه فى بداية السنة الميلادية القادمة (2018)، فى خطاب السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز فى مدينة “كيهيدى” خلال الإحتفالات المخلدة للذكرى السابعة والخمسين لعيد الإستقلال الوطنى (28\11\2017).
إلا أنه من الواضح أن القرار لم يكن إرتجاليا، بل كان تلبية لإقتراح من إدارة البنك المركزى الموريتانى. إذ أعلن محافظ المبنك المركزي الموريتانى السيد عبد العزيز ولد الداهى، من خلال تصريح مقتضب فى صحيفة يصدرها البنك المركزي، خبر التعدبل المرتقب بل أفصح المحافظ عن أن القرار جاء بعد مجموعة من الملتقيات والدراسات أعدتها مؤسسته من أجل الحفاظ على العملة الوطنية ومن خلالها على الإقتصاد الوطنى. كما أبرزالسيد المحافظ أن الإجراء جاء أساسا ليعالج صعوبات تسيير العملة الورقية وللرفع من مستوى العملة النقدية. ولخص المحافظ المزايا التى يهدف إليها التعديل فى خمسة أهداف أو مزايا و هي:
1- محاربة تبييض الأموال ،
2- سهولة تسيير العملة الوطنية،
3- رفع قيمة القطع النقدية
4- تنظيم حركية العملة، و5- قوة الأوراق النقدية (القوة المادية). والتعديل هو عبارة عن حذف صِفْرٍ من وحدة الصرف المتداولة (الأوقية). وذلك على النحو التالى:
عشرة مائة أوقية تصبح عشرة أواق ألف أوقية تصبح مائة أوقية وهلم جرا أما ما يتعلق بالقطع النقدية التى هي فى الوقت الراهن على الشكل التالى:
فإن التغيير يمكن أن يؤثر عليها على النحو التالى:
أولا :فئة المائة أوقية ستصبح عشرة أواقى (مع إحتمال إحتفاظها بقيمتها الشرائية)، فإن العشرة أواقىستصبح أصغر وحَـداتْ العُملة الوطنية, أي مقارنة مع العملة الحالية، فإن العشرة أواقى ستأخد دور الأوقية الواحدة (مع إحتمال إحتفاظها بقدرتها الشرائية السابقة حسب السيد المحافظ).
ومع أن إدارة البنك المركزي الموريتانى، حسب تصريح محافظه، لا تتوقع تغييرا فى القوة الشرائية نتيجة لهـذا التغيير إلا أن القوة الرمزية التى ستحظى بها العملة الوطنية فى ثوبها الجديد قد يكون لها أثرا فى زيادة قوتها الشرائية بعكس ما يتصوره بعض المواطنين. فياليت القوة الشرائية للأوقية بلغت مستوى قوتها أيام السيدة “أمى سيسي”.
وقد لا يتذكر الكثير من الشباب الموريتانى قصة كانت ضمن مقرر السنة الثانية من التعليم الأساسى والتى تتمحور حول مثابرة سيدة من الطبقة الوسطى فى عملها المنزلى هي “أمى سيسي”.
وتحكي القصة أن “أمى سيسى” كانت ذات يوم تكنس بيتها وفأجأة وجدت مائة أوقية، فسُرت بذلك أيما سرور، وهرعت إلى السوق كي تشترى بعض المواد الغذائية . و تتحدث القصة أن “أمى سيسي ” لما ذهبت إلى السوق إشترت لحما، وأرزأ، وبصلا، وزيتا، والكثير من الطماطم، والبطاطس، والجزر، وكل ذلك بمائة أوقية . ثم عادت بذلك إلى منزلها لتحضر وجبة الغـداء لأطفالها قبل عودتهم من المدرسة. فمع أن القصة وجدت أساسا لإنشاء نص أدبى ومعالجته من أجل إلقاء درس أدبى بهدف التعليم إلا أنه يمكن إستخدامها فى الوقت الراهن فى التحليل الإقتصادى من أجل قياس قوة العملة وضعفها من زمن لآخر.
وربما كان من الصعب الحصول على مبلغ مائة أوقية فى تلك الفترة، إلا أنه واضح من خلال معطيات القصة أن القدرة الشرائية للأوقية بلغت فى يوم من الأيام مستوى بحيث كان من الممكن إقتناء اشياء كثيرة مثل (اللحم والخضروات ) بمائة أوقية فقط. وقد يتبادر إلى الذهن أن المائة أوقية ، حسب مصطلح العملة الجديدة والتى تساوي ألف أوقية حسب مصطلح العملة الحالية، ستكون كافية لشراء لحْـمًا، وتشكلة من الخضروات كافية لإعداد وجبة غذائية لأسرة صغير، ربما تكون بحجم أعضاء أسرة “أمى سيسيى”.
فمثلا: لو أخدنا مائة أوقية بالمصطلحات الجديدة أي، ما يعادل ألف أوقية بالمصطلح القديم، فإن أي ربة منزل سيكون بإمكانها أن تشترى بها المواد التالية، وذلك حسب أسعار (01\12\2017): ربع من اللحم ب”40أوقية”، ربع من الطماطم ب “7 أواقى”، ربع من البطاطس ب “6 أواقى”، وربع من البصل ب “5 أواقى”، وقيمة ثلاث أواقى من الملح، وخبزتان ب “20 أوقية” وربع من الأرزالجيد ب ” 20 أوقية”.
وهـكذا يتحقق ما تهدف إليه سياسة البنك المركزى الموريتانى من خلال سياسته النقدية الجديدة الرامية إلى الحفاظ على قوة العملة النقدية الموريتانية, وحسب رأيى فإن قرار إجراء هـذا التغيير على عملتنا المحلية قرار شجاع ينم عـن رغبة فى بناء إقتصاد قوي إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن أي سياسة إقتصادية أو إجراء تنظيمى ، مهما كانت دوافعه وأهدافه، لابد أن تكون له جوانب سلبية مهما كانت إيجابياته.
وحسب رأيى الخاص فإن هـذا الإجراء ضرورى من أجل دعم إقتصادنا، ولكن كان ينبغى حذف صفرين بدل صفر واحد. ذلك أن جميع الأهداف المتوخات من حذف الصفر الواحد يمكن تحقيقها عند حذ صفرين لتصبح ورقة “مائة أوقية” خالية من الأصفار فتسمى حين إذن ب “أوقية واحدة” تكون على شكل ورقى.
وفى تلك الحالة يكون الصرف النقدى عبارة عن “سنتيمات” من واحد سانتيم إلى مائة سانتيم ، وتكون الأوقية الواحدة تعادل مائة سانتيم. وفى تلك الحالة يكون بإمكاننا أن نحتفظ بترتيب النقود الموجود عندنا الآن ، فتصبح أوقية واحدة تساوىمائة سانتيم وهلم جرا . وذلك من شأنه أيضا أن يُـسَهِل التأقلم مع ذلك التعديل على الموريتانى البسيط وربما يخفف تكاليف العبور من الصيغة القديمة للعملة إلى صيغتها الجديدة.
د. السَالكْ ولد السَّنْهُورِي