فوق هذه الرمال المتحركة عاش رجال أشداء أصبحوا اليوم في باطن الأرض أعظما نخرات؛ لكن بصماتهم ظلت حاضرة في الذاكرة الجمعية، ولن تبرحها ما بقي "وَفيّ "يتذكر..
من بين هؤلاء الأفذاذ؛ نسترجع اليوم بعض ذكريات المرحوم الحسن ولد ابراهيم ولد صالح ولد الرشيد ولد صالح ولد عبد الوهاب الناصري، فارس أقرانه، وبدر التمام بين ساسة زمانه.
كان صاحبنا أحد الأجاويد وذاك لقبه، سليل أسرة روحية من نخبة المجتمع علما وتاريخا وأخلاقا، وطيب منبت.
كما كان؛ يرحمه الله؛ مهابا وقورا، ليس من أهل الغلو مهما بلغت درجة "الإفك السياسي" لخصومه الواقعيين أو الافتراضيين.
سياسي فطن، قوله الفصل، وفعله الأصل.. استراتيجي في نظرته، مخطط في رؤيته، أكثر من المختصين خبرة، وأجدر منهم معرفة وتجربة؛ لأنه لم يسمح قط لقلبه أن يفكر نيابة عن عقله.
عرف بنفاذ بصيرته، وبينابيع الحكمة تفيض من حديثه.. ولم تكن تثنيه الشدائد أو يوهنه الإخفاق..
لا دَارَ للمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسْكُنهـا إلَّا الَّتي كانَ قَبلَ الموتِ بَانِيها
امتاز الحسن ولد صالح رحمه الله بقوة العزم والإصرار، وبروح المبادرة مع ذكاء حاد، ودهاء خارق..
كان مقلا في حديثه لا تغريه شهوة الألسن، يعرف مواطن الكلمة فلا يسابق الكلمات؛ بل يستلذ متعة الإصغاء وفضيلة التواضع مع جلسائه بقناعة من فولاذ:
ملأى السنابل تنحني بتواضع ... و الفارغات رؤوسُهن شوامخُ
وحين يشتد أوار اللهيب المنفلت من عِقال الطقس السياسي وتقلباته، وتهب الأعاصير بما لا تشتهي قوارب الساسة؛ لا يكلفه الموقف غير ضربة قاصمة تنهي شغب خصومه حتى يظل هو وحده البوصلة والمايسترو؛ وكأنه يستأنس بقول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويستحضره:
ومَا الْمَرءُ إلاّ حَيْث يَجْعَلُ نَفْسَهُ فَكُنْ طَالِباً في النَّاسِ أعلى المَرَاتِبِ
أتاه الله الخير العميم من كل صوب مزينا بشتى مباهج الحياة تتقدمها القوافي العِذَاب التي أطلقها الشعراء من عقالها مُسافرة ليرددها الرُكبان حتى يظل حيا في الذاكرة الجمعية للناس، وتلك لعمري هي تيجان محاسن الكبار:
"إنّ اللآلئ تبقى وهي غاليةٌ ... وإنّما تعصف الأمواج بالزبدِ"
اللهم ارحم عبدك الحسن ولد صالح فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض..
واغفر له واعف عنه، وأدخله فسيح جناتك، وأخرجه من ضيق اللحود إلى جنــات الخلود، واجعل قبره أول منــازل الجنة، واجعله من خيرة من تظلهم بظلك يوم لا ظل إلا ظلك..
وجزى الله خيرا كل من دعا له بالخير وبالغفران والرحمة.
نقلا عن صفحة الاعلامي الكبير اعل ولد البكاي علي الفيس بوك