الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلّا ممثلون على هذا المسرح..
الأديب البريطاني وليم شكسبير..
ربما تكون هذه المقولة التي قالها الأديب الكبير وليم شكسبير تنطبق بشكل كبير على عالمنا الذي نعيش فيه..
فنحن كبشر في كل سنة تمضي، نتذكر العام الماضي بإنجازاته وإخفاقاته، ولا نشعر بكبرنا واقترابنا من المصير المحتوم..
وتعليل ذالك علميا إن خلايا أجسامنا تتجدد كل يوم, فهي كالنهر الجاري المملوء دائما بالمياه ومع ذالك فهو نفس النهر الذي وجد منذ زمن طويل, ولكن الماء لايبقى, بل يتغير‼
وكذالك أجسامنا التي تخضع لعملية مستمرة حتى أنه يأتي وقت لا تبقى فيه أية خلية قديمة في الجسم, لأن الخلايا الجديدة أخذت مكانها, هذه العملية تتكرر في الطفولة والشباب بسرعة, ثم تستمر بهدوء ملحوظ في الكهولة, ولو حسبنا معدل التجدد في هذه العملية فسوف نخرج بأنها تحدث مرة كل عشر سنين.
إن عملية الجسم المادي الظاهري تستمر, ولكن الإنسان في الداخل لايتغير بل يبقى كما كان: علمه, عاداته, وحافظته, وأمانيه, وأفكاره, تبقى كلها كما كانت, انه يشعر في جميع مراحل حياته بأنه هو الإنسان السابق الذي وجد منذ سنوات ولكن لا يحس بأن شيئا من أعضائه قد تغير , ابتداء من أظافر رجليه حتى شعر رأسه..
ولكن وبالعودة إلى المقولة السابقة نجد أن هذه الدنيا ما هي إلا مسرحا كبيرا والبشر رجالاً ونساءا، ماهم إلا لاعبون على خشبته قد يكونون جيدين أو فاشلين..‼
يتجلى ذالك أكثر في أحاديث الصورة في السينما واستوديوهات التمثيل في الدراما والكوميديا في الحياة والموت في الأفراح والأتراح في الضحك والبكاء في النجاح والفشل..نهايات سعيدة ونهايات مأساوية...هكذا سنة الحياة.‼
فكل يوم نرى صورا جديدة ونستمع إلى حكايات غريبة .. حياتنا تستمر بالاختلاف والتشكل وحياة البشر لا تخلوا من ممثل ومخرج نحن معشر البشر .. عبارة عن ممثلين .. بارعين على مسرح الحياة.. ونحن من نقوم بتمثيل ادوار مختلفة .. كلامنا لديه دور البطولة يمثل فيها كيفما يشاء..
نرى من خلال التمثيل :دور الشخصية التي تحب الخير للناس والتي تحقد على الغير وتسلب سعادة الآخرين ..في ثنائية الخير والشر..وتارة الحبيب العاشق المخلص وتارة الخائن المتوحد الذي لزم الصمت ...كما نشاهد الشخصيات التي تحب الخير وتعمل له وتلك الشريرة النقيضة لها وهكذ....
ولما كانت الصورة ديدان ذالك كله يلزم لنا أن نعرج عليها في عجالة:
ظهرت أول كاميرا للتصوير الفوري اسود وأبيض من شركة ( بولا رويد) وأول كاميرا فورية بأوراق ملونه عام 1963م وهي الكاميرات ذات التركيز البؤري الذاتي
وما زالت ثورة التصوير قائمة للآن تستمد قواعدها من التطور التكنولوجي القائم في العالم أجمع، وقد تعدى التصوير مفهومه التقليدي المنحصر في التحميض والطباعة الى التصوير الرقمي أو التجريدي الذي ظهر مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين وتطورت طريقة التصوير الملون الآني في ظهور أول كاميرا ذاتية "أوتوماتيكية" بالكامل في عام 1973م..
وأخيراً ظهرت الكاميرات الرقمية في عام 1999م إلى يوم الناس هذا..مما يعني أن الصورة أصبحت واقعا في حياة الناس اليومية لا غنى عنها...؟‼
وقد سجلت الهواتف المزودة (بكاميرا) أرقاما قياسية في مدى الانتشار، وذلك بعد تجاوز مبيعات أجهزة الهواتف المحمولة المليارات وهذا ان دل على شيء انما يدول على الانتشار الواسع للهواتف الذكية حول العالم ويقدر الخبراء أن 5مليار من البشرية تستخدم الهواتف من أصل سبعة مليار نسمة أي أن البشر أصبحت الصورة عنده واقع معاش بقض النظر عن استخداماتها المختلفة:التلفزيون السينما.والانترنت..الخ
بعد هذه العجالة وتعريفنا للصورة والكاميرا يجدر بنا أن نتساءل كبشر عاقل خلق في هذه الدنيا ليعمل كيف نستفيد من هذه الآلات التى سخرت لنا.؟
تقول العلوم الحديثة أن كلما نلفظ من كلام يحفظ في سجل كامل. وتفسير ذالك أن أحدنا عندما يحرك لسانه ليتكلم, يحرك بالتالي موجات من الهواء تسمى (آكوستيك), كالتي توجد في الماء الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر...
ولقد ثبت بالبرهان القطعي أن هذه الموجات تبقى كما هي في «الأثير»إلى الأبد, بعد حدوثها للمرة الأولى, ومن الممكن سماعها مرة أخرى,مع أنها لا تزال تتحرك في الفضاء منذ زمن بعيد. ولقد سلم العلماء بإمكان إيجاد آلة لالتقاط أصوات الزمن الغابر قياسا على التقاط المذياع الأصوات التي تذيعها محطات الإرسال.
غير أن المسالة الكبرى التي واجهوها في هذا الصدد, ليست في التقاط الأصوات القديمة, وإنما التمييز بين الأصوات الهائلة الكثيرة حثي يتمكنوا من سماع كل صوت على حدة
وقد تغلبوا على هذا الإشكال في الإذاعة فملايين المحطات في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار, وتمر موجات هذه البرامج في الفضاء, بسرعة 186000 ميل في الثانية.
وكان من المعقول جدا عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا من الأصوات لا نفهم منه شيئا, ولكن هذا لا يحدث, لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها كما هو معروف على موجات طويلة.. و قصيرة..ومتوسطة...وهكذا
وبهذا يثبت عندنا قطعا أن كل ما ينطق به الإنسان يسجل وهو محاسب عليه
إن مناقشتنا لجانب المسألة إنما يؤكد وجود ملائكة يسجلون كل ما ننطق به من كلام مصداقا لقوله تعالى { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.
وليس القول وحده هو الذي يسجل فعملنا أيضا يسجل على صفحات الكون
فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام, فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء -حدث في الظلام أو في النور, جامدا كان أو متحركا- تصدر عنه «حرارة»بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات ال–قمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى...
ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث.
أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها, لضعفها وتستعمل في هذه الآلة( أشعة افرارد) التي تصور في الظلام والضوء على حد السواء.
ومعنى هذا أن حياة كل منا تصور على مستوى عالمي, كما تسجل آلات التصوير الأوتوماتيكية جميع تحركات الممثلين السينمائيين..
ومن هذا نصل إلى أن جميع تحركاتنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا منعها أو الهروب منها, سوا أكنا في النور أو في الظلام.
فحياتنا كالقصة التي تصور في الاستديو, ثم نشاهدها على الشاشة بعد حقب طويلة من الزمن, وعلى بعد كبير من مكان التسجيل, ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث, وهكذا شأن كل ما يقترفه الإنسان, وشأن الأحداث التي يعيشها فان فيلما كاملا لتلك الأحداث نعيشه واقعا منذ الولادة وحتى الموت ويمكن عرضه في أي وقت...
وربما يتعظ ويعتبر أكثر أهل الفن الذين أنجزوا ميئات الأفلام عبر تاريخهم الطويل فالبعض منهم لما اعتزل التمثيل وقد طعن في السن إذا سألته اذا رجع به الزمن هل سيمثل تلك المشاهد المخلة بالأخلاق يجيبك بغضب والندم والحسران يظهر على تجاعيد وجهه التي طواها الزمن..
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نتمسك بالدين من البداية قولا وعملا ونطبق مايأمرنا به ونحن مازلنا في سن تسمح لنا بذالك بدلا أن نتظر حتي الشيخوخة لمن كتب له النجاة أما الغالبية فقد خطفها الموت في عمر الزهور منها من مات في استديوهات التصوير ومنها من مات وحيدا في داره..ومنها من عاش حياة مأساوية بعد أن أفلس وانفض من حوله الجميع حتى من أقرب مقربيه... ويكفي أن تسأل محرك كوكل عن مأساة الفانانين؟
لم نكن نتخيل أن أبطال الشاشة من فنانين كبار، كانت تنقصهم السعادة،فلديهم الشهرة ووفرة المال وأناقة واهتمام دائما بالمظهر..
ولكن الحقيقة أنهم كانوا يعيشون مأساة حقيقية سرعان ماتظهر عندما تطفو تلك الهالة من الأضواء المصطنعة..لتنتهي حياتهم بمشهد ادرامي..
وللعاقل أن يتعظ ويستفيد من أخطائه،قيل فوات الأوان..
فهل نعتبر من مشاهد تلك الشخصيات التي رحلت عنا وقد مثلت جميع أدوار البشرية صالحها وطالحها؟
ونتعظ أكثر من الشخصيات التي مازالت تنتظر وقد طعنت في السن وتبرأت من أعمالها السابقة التي لم تعد تناسبها؟
الهوامش:
القرآن الكريم
سورة ق الآية: 18
*الإسلام يتحدى: وحيد الدين خان، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.
*دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند,تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م..
المرابط ولد محمد لخديم
E- mail; [email protected]