اندلعت الحرب في منطقة ازواد بعد سقوط نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في 20 أكتوبر عام 2011 ، وذلك بعد عودة آلاف الطوارق الذين كانوا يقاتلون ضمن الجيش الليبي إلى شمال مالي وبحوزتهم أسلحة ثقيلة، لينضموا إلى صفوف الحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA التي تمثل طوارق شمال مالي ..
وقد اشتدت المعارك بين مقاتلي الحركة والجيش المالي في مدن تساليت، وأجلهوك، ومنكا، في شمال شرقي مالي قرب الحدود مع الجزائر، وبعد أسابيع انتقلت إلى قرب العاصمة المالية بامكو..
وفي مارس 2012 اتهم الجيش المالي من وصفهم ب "المتمردين الطوارق" بخوض المعارك بجانب مسلحين من "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وعناصر حركة (أنصار الدين) وتجار المخدرات والميليشيات المسلحة التي كانت تخدم نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، وقال الجيش المالي إن اللاجئين هربوا من هجمات المتمردين الطوارق وكانوا يحاولون البحث عن مأوى في الثكنة العسكرية بمنطقة تيساليت، وهي الاتهامات التي نفتها حركة تحرير أزواد مؤكدة على عدم وجود علاقة تجمعها بالإرهابيين وأن قضيتهم مختلفة تماما عن قضايا تجار المخدرات ومافيا الساحل.
وبعد انقلاب 22 مارس/ آذار 2012 في مالي الذي أطاح برئيسها أمادو توماني توريه، إثر هجوم 24 يناير/ كانون الثاني 2012 على حامية عسكرية في الشمال وقضى فيه سبعون جنديا من الجيش المالي أو أكثر بعد أن باغتهم مسلحون بينهم عناصر من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجماعات تنتمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي
وفي 16 يناير/ كانون الثاني 2013 بدأ الصراع في شمال مالي يأخذ منحا خطيرا ينذر بحرب قد تكون طويلة المدى، بعد التطورات المتسارعة والمتمثلة في اختطاف أجانب من بينهم فرنسيين من طرف جماعات إسلامية متشددة، حيث بدأ تدفق الدعم العسكري واللوجستي الدولي، وإعلان انطلاق المعارك البرية ضد الجماعات الإسلامية في المنطقة ..
وأطلقت فرنسا عملياتها الجوية في المنطقة المدعومة بقوات برية وسط دعم سياسي من الولايات المتحدة، كما حظيت تلك العمليات أيضا بموافقة الشرعية الدولية، أي أنها تلقت الضوء الأخضر من مجلس الأمن، ودعمتها جميع دول غرب إفريقيا، وذلك بعد فشل الحل السياسي في شمال مالي، وعجز حركة تحرير ازواد وحركة أنصار الدين والحكومة المالية عن التوصل لنتائج في حوارهم السياسي بالعاصمة الجزائر فلم يتمكنوا من التوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الاطراف ويجنب البلاد مخاطر الحرب والتدخل الأجنبي..
وترى الحكومة الفرنسية أن الحرب في مالي جاءت في سياق الردّ على العدوان الذي يمارسه الجهاديون الإسلاميون الذين قدموا من الخارج، وسيطروا على شمال مالي، وبدأوا يزحفون صوب العاصمة باماكو، حيث أن عدد الأجانب بين صفوفهم أكبر بكثير من عدد الماليين.
وتقول المصادر إن حركة تحرير ازواد دخلت في مارس /آذار2013 في تحالف مع القوات الفرنسية خلال عملية مطاردة الجماعات الإسلامية المسلحة، غير أنها رفضت نزع سلاحها قبل التفاوض مع الحكومة المالية.
ويفسر بعض المحللين السياسيين ذلك الاتفاق بأن مرده هو شعور حركة تحرير ازواد بتراجع نفوذها في شمال مالي عام 2012 بعد أن دخلت في صراع دموي مع الحركات الإسلامية المسلحة وخصوصا حركة التوحيد والجهاد، وهو الصراع الذي قاد إلى إخراج مقاتلي الحركة من أغلب مناطق الشمال المالي ككيدال وتمبكتو وغاو التي تعتبر عاصمة للأزواديين.
مخاوف غربية من قيام إمارة إسلامية في منطقة الصحراء
الرأي العام في بعض الدول االغربية يهتم كثيرا بتفاصيل مجريات النزاع في مالي، فالأمر لديهم يتعلق بالخوف من سقوط الدولة المالية الضعيفة وإقامة إمارة إسلامية قوية على غرار ما حصل في أفغانستان، خاصة بعد أن أصبح شمال مالي ملجأ للجماعات الإسلامية المتشددة والمرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مثل "أنصار الدين" و "جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، تلك الجماعات التي احتلت المنطقة وأصبحت تطبق فيها الشريعة الإسلامية بحزم، من خلال الرجم، و بتر الأعضاء، والجلد، واعتقال النساء غير المحجبات، وتدمير أضرحة الأولياء والصالحين.
هذا بالإضافة إلى تزايد نفوذ منظمة "بوك حرام" التي ترهب نيجيريا، حيث نفذت هجمات ضد الكنائس، وتسببت في مقتل 3000 شخص على الأقل منذ العام 2009 ولغاية نهاية العام 2011 وقضى أكثر من 815 شخصاً في نحو 275 عملاً إرهابياً نفذته في عام 2012، والتي تتمركز في شمال ووسط نيجيريا.
ومما يزيد مخاوف الدول الغربية خاصة فرنسا وأمريكا هو كون بلدان الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى التي تضم كلا من مالي، والنيجر وتشاد، وموريتانيا لا تمتلك قوات عسكرية متمرسة على خوض الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، كما وتواجه دول الساحل أكبر التحديات المتمثلة بالمساحة الشاسعة لهذه المنطقة التي تربو على 700 ألف كيلومتر مربع، إضافة إلى أن المنطقة صحراوية ووعرة لها جغرافية معينة، تحتاج إلى دراسة مكثفة لمعرفة خفاياها و نقاط تمركز عناصر "القاعدة" والجماعات المسلحة فيها، لاسيما أن كل التقارير تشير إلى أن عناصرها لا تتمركز في مكان معين، مستغلة أسلوب التمويه.
وجاء التدخّل العسكري المباشر لفرنسا في أعقاب إعلان حالة الطوارئ في مالي وبناءً على طلبٍ رسمي من الحكومة الماليّة؛ الأمر الذي ساهم في أن تبرّر فرنسا تدخّلها بأنه يقع ضمن إطار مساندة دولة صديقة وليس انتقاصًا من سيادتها، وبهدف طرد المجموعات الإسلامية المتطرّفة، أي أنّ حرب فرنسا أصبحت تقع ضمن "الحرب على الإرهاب" التي أصبحت تعبيرًا هلاميًّا وغير محدّد لكنّه مبرّر ومقبول على الصعيد الدولي في ظلّ استهداف حركات في بلدان عدّة.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تتابع عن كثب ما يحدث في مالي، ولم تبخل بتقديم مساعداتها العسكرية في حفاظ تام على سياساتها المعهودة تجاه القارة الافريقية مع رغبة في تفعيل دور "الأفريكوم" في المنطقة، كما تعمل جاهدة على تدويل الحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب، وفرض انخراط بقية الدول الأخرى في هذا المسار.
تمفصلات ومناطق نفوذ الجماعات المسلحة في مالي
على الرغم من وجود عدة جماعات إسلامية تنشط في مالي، إلا أنها تتقاسم الأدوار ومناطق النفوذ، ولفهم ما يجري على الأرض علينا العودة إلى عام 2012 عندما سيطرت هذه الجماعات على منطقة شمال مالي، فتقريباً نفس المناطق التي كانت تسيطر عليها هي التي تشن فيها الهجمات اليوم.
بالنسبة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (كتيبة الفرقان) فكان نفوذها في منطقة تمبكتو، غير بعيد من الحدود الشرقية لموريتانيا، أما (كتيبة المرابطون) التي يقودها الجزائري مختار بلمختار، والمرتبطة بتنظيم القاعدة، فيتركز نفوذها في منطقة غاو، شمال شرقي مالي، في مثلث حدودي بين (مالي، النيجر وبوركينافاسو).
ولكن التنسيق القوي بين (كتيبة المرابطون) و(كتيبة الفرقان) التابعة لإمارة الصحراء بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مكن من شن هجمات غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، استهدفت عواصم مهمة في غرب أفريقيا، وأوقعت ضحايا غربيين كثر، بدأت بهجوم على فندق « راديسون بلو » في باماكو، وفندق « سبلانديد » في واغادوغو، ثم منتجع « بسام الكبير » في أبيدجان.
جماعة (أنصار الدين) التي أسسها القائد الطارقي إياد أغ غالي، كان نفوذها في منطقة كيدال، معقل قبائل الإيفوغاس في أقصى الشمال الشرقي لمالي، ولكنها في الفترة الأخيرة من عام (2012) وسعت نفوذها ليشمل قبائل الفلان في الجزء الغربي من منطقتي تمبكتو ومبتي، ويمتد حتى وسط مالي، اعتماداً على جماعة ماسينا الفلانية التي أسسها فيما بعد القائد الفلاني أمدو كوفا.
بقي في المشهد جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا (موجاو)، التي يقودها أبو الوليد الصحراوي، وعانت من انقسامات كبيرة، إذ انسحب عنه الجزائري مختار بلمختار بكتيبته القوية (المرابطون)، وتحول أغلب مقاتليه إلى جماعة (بلات فورم) التي أصبحت ميليشيا موالية للحكومة المالية، ليبقى الصحراوي وحيداً فقرر مبايعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولكنها بيعة بقيت حبراً على ورق ولم تسفر عن دعم حقيقي للرجل؛ يتحرك الصحراوي في مجال جغرافي ضيق في الشريط الحدودي بين مالي والنيجر.
أما فيما يتعلق بحركة تحرير ازواد فبعد انتهاء الأيام التشاورية مع الشعب الأزوادي في كيدال (12ـ 15 مارس /آذار 2015)، رفض الأزواديون التوقيع على مشروع الاتفاق المنبثق عن ما سمي مسار الجزائر (مفاوضات بين منسقيات الحركات الأزوادية، والقبائل، والحكومة المالية).
كما رفضت الحركات الأزوادية، ذلك الاتفاق واعتبرت بأنه لم يأخذ في الاعتبار العناصر الأساسية للتطلعات المشروعة للشعب الأزوادي، مشيرة إلى المظاهرات الرافضة له في جميع أنحاء أزواد ومخيمات اللاجئين.
كما أكدت الحركات التزامها باحترام التعهدات التي قطعتها مع المجتمع الدولي، لا سيما وقف إطلاق النار في 23 مايو/أيار 2014 في كيدال، واتفاق آليات تنفيذه الموقع بتاريخ 13 يونيو/حزيران 2014، و اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع في الجزائر في 19 فبراير/شباط 2015.
وخلاصة القول فإن الواقع في مالي يرسم صورة قاتمة، تظهر أن التحديات أمام باماكو ليست مجرد جماعات مسلحة تسعى لإقامة قانونها الخاص في مناطق من البلاد، وترفض الخضوع للحكومة الضعيفة والغير مسلحة بما يكفي، فالتحديات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية هي الأبرز في بلد يعد من بين الدول العشر الأكثر فقراً في العالم.
وتشير الإحصائيات إلى أن مالي تقع في المرتبة 175 عالمياً من أصل 182 دولة، وفق مؤشر التنمية البشرية، مع تقديرات تقول إن 60 في المائة من سكان البلاد (16 مليون نسمة) يعيشون تحت خط الفقر.
إنها بيئة خصبة لانتشار الإحساس بالظلم الاجتماعي والحنق على الجهات الحكومية، ما قد يؤدي بالكثير من الشباب إلى الانخراط في أعمال عنف، خاصة المنحدرين من قبائل وأعراق تحس منذ عقود بأنها مهمشة ومظلومة، على غرار الطوارق والعرب والفلان، التي ينحدر منها أغلب مقاتلي الجماعات الإسلامية المسلحة.
هذا بالإضافة إلى عدم التجانس الثقافي والاجتماعي بين شمال مالي وجنوبها، وتاريخ طويل من التمرد والسعي لإقامة دولة مستقلة في إقليم "أزواد"، ما خلف إرثاً من انتهاكات حقوق الإنسان وملفات الجرائم .
يلاحظ من خلال الأحداث التي تطرقنا إليها حول النزاع في مالي ما يلي:
- أنّ من شكاوى الحركات التحررية: الإهمال، والتهميش، والعصبية العرقية.
- صعوبة المنطقة وصحراويتها وتباعدها.
- أن القول بالتهميش انفرد به بعض الطوارق فقط، وهم الذين حملوا السلاح لتحقيق أهدافهم التحررية، مع أن الجميع في منطقة واحدة، ومع العلم أنّ بعض مناطق الشمال متخلّفة، وهذا راجع إلى صعوبة الصحراء، وقلة السكان، مع قلة موارد البلاد.
- أن هذا المطلب قديم جداً، وظهر مع الاستقلال.
- وجود مطالب إسلامية في المرحلة الأخيرة بسبب الاحتكاك مع جماعات إسلامية.
- تناقض الطرح والاهداف بين بعض الحركات في المنطقة.
- أن أغلب أعضاء الجماعات الداعية إلى تطبيق الشريعة مغتربون في الدولة ومطاردون في بلدانهم.
- غياب الوعي الإسلامي الكبير لدى الطوارق، والحاجة إلى ذلك.
- أن الذي ساهم في إحباط كل محاولات الحوار، ودفع الأحداث نحو التدخل الخارجي، هم الجماعات أنفسها بمختلف اتجاهاتها من جهة، والنظام المالي من جهة أخرة نتيجة طبعا إلى ارتباكه وهشاشته وعجزه عن اتخاذ قرار نهائي حيال الصراع في مالي.
- أبرز الفروق بين المطالب هو أنّ حركة "أزواد تريد دولة منفصلة عن مالي، والآخرون يريدون أقاليم في دولة واحدة.
- انتشار النهب والفوضى في بدايات السيطرة على شمال مالي.
- نزوح حوالي نصف سكان شمال مالي إلى جنوبها وإلى الدول المجاورة.
- ظهور حركات إسلامية جديدة تدعو إلى نبذ العنف
- التقلّب السريع وتلوّن الجماعات كلّما هبّت رياح مغايرة؛ مما يجعل تحديد أهدافهم صعباً.
إعداد: محمد عبد العزيز ولد الصوفي
إعلامي موريتاني
المصادر:
وكالات إخبارية
قراءة في النزاع المسلح في مالي
تحقيقات ميدانية