حوارالحضارات والثقافات:
رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم
يشهد العالم الحديث في ظل الموجة الثالثة أو "عهد القطيع والقبيل الإلكتروني" بلغة "فريدمان" تحولات غير مسبوقة تنذر بإحداث تأثير كبير في منظومات القيم والعلاقات والثقافات.. وعلى الرغم من التطور المذهل الذي يشهده قطاع الاتصالات فقد لاحظ الباحثون بمرارة أنه كلما زادت وسائل الاتصالات كلما قل التواصل! وكلما زادت الآليات الكفيلة بتقريب المتباعدين كلما تقوقع أبناء الحضارة على أنفسهم، وباتوا أقل إحساسا لحرارة مشاعر ومشاغل الغير، وأكثر اعتدادا واعتزازا بذواتهم وبشكل دوغمائي.
وتبدو الصورة التي يمكن تقديمها لعالم اليوم متنافرة في جزئياتها، بل ومتعارضة في بعض منها! ففي الوجه الأول نعيش في عالم متلاحم متشابك المصالح والوسائل والغايات، بشكل جعل الكثيرين ينأون بأنفسهم عن الارتباط بكيانات قطرية ضيقة، وينعون الدولة الوطنية التي باتت في منظور الاجتماعيين كبيرة جدا عند مواجهة المشاكل الصغرى، وصغيرة جدا حين مواجهة المشاكل الكبرى!
ولا يستبعد على حد تعبير (توفلير) أن تطالب اليابان قريبا بانتخاب ممثلين لها في الكونغرس الأمريكي لأن ترابط المصالح ببساطة يفرض حضور اليابان في "المواقع السيادية" طالما أن الأخيرة لم تعد تشرع أو تداول أمرا خاصا خالصا محدودا بحدود أمريكا...!
وفي الجانب الآخر من الصورة شهد تزايدا مقرفا لتيارات العنف والكراهية وتناميا متسارعا للأقليات الفكرية والطائفية وتفتيتا للأغلبية إلى مجموعات فسيفسائية ولوبيات حفظ متناحرة، فضلا عن تسارع وتيرة نمو قوى العنف والتدمير التي تهدد مصير البشرية... وفي غياب الحوار المطلوب بين مكونات المجتمع الدولي الواحد يخشى أن تتوزع شعوب المعمورة إلى فئتين: فئة تمارس عبادة الذات، وأخرى تمتهن حرفة (نفي الآخر)... والمفارق أن هذه القطيعة المترتبة على غياب الحوار تأتي في وقت تتناسل فيه التشريعات النبيلة الداعية إلى مزيد من الإنصاف والعدل والتسامح، وفي وقت تتزايد فيه أعداد دعاة الرفق بالإنسان والحيوان، وتتأكد الحاجة إلى الحوار في عالم يدفع خمسة ملايين من أبنائه قربانا لآلهة الحرب كل عقد من الزمن ويعيش أكثر من خمسه الفقر والمعاناة.
ويعاني في مجموعه من (شيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات)، عالم سكانه مهووسون بصناعة الأنماط المقولبة في حق الغير، ومسكونون بالتنابز بالألقاب، تسوده الديمقراطية وتتأصل منه الدكتاتورية، يمجد التعددية على المستوى القطري ويكفر بها على المستوى العالمي...
تدعو تعاليمه ومواثيقه إلى المساواة والعدل والإنصاف والتسامح، بينما يشكوا سكانه الغبن والقهر والاغتراب والاستلاب والقلق والغثيان وكل مفردات الفلسفة الوجودية.
ولقد دعي الكثيرون أنه حيال هذا العالم المعقد المتشابك المهدد، لابد من حوار لكفل اجتماع الفرقاء والشركاء، ويضمن احتواء ما أمكن من أزمات وكدمات تبدأ صغيرة أو وطنية وتتدرج لتطال أمدا بعيدا.
والحوار مبدأ نبيل عاشته البشرية منذ النشأة وكان وراء بناء الحضارة كل الحضارة (على الأرجح) وفي الوقت الذي يركز فيه القائلون بحوار الحضارات على ما تتيحه الأخيرة من تحاور وتثاقف وأخذ وعطاء، يصر القائلون بصراع الحضارات على معطى المغايرة والمصارعة.
والأكيد أن الأخذ بحوارية الحضارات منطلق رصين، إلا أن نبل الهدف وسمو الغاية لا يكفلان نجاح الأمنية أو الواقعة، فالحوار يفرض بدءا المساواة والإيمان بالاختلاف حتى لا يصبح حذلقة لغوية بتبادل عبارات الثناء ويلتقي فيها، "المعذبون والمعذبون في الأرض لبرهة من الزمن قصد تقديم دروس في الوعظ، وبانتفاء المساواة ـ كما هو الشأن ـ حاليا تظهر الصورة المحزنة وتحل مفاهيم الفوقية والاستقلائية محل مصطلحات المناظرة والاعتراف المتبادل، ولعل ذلك ما يفسر أوضاع الغالبية العظمى من سكان العالم التي تجأر بالشكوى من سيطرة ثقافية كونية واحدة تريد التماهي مع الحضارة، وهو ما يترجم دعوة هذه الشعوب إلى مصطلحات الاستثناء الثقافي حتى يبقى، وينبغي أن يبقى كذلك لها على البقية الأخيرة مما يخصها، إن مبدأ حوار الحضارات في مجمله فهو اعتراف بأن لهذه الساكنة معتقدات ومبادئ وآداب مختلفة... ولكن اختلافها يجب أن لا يفهم من التحاور".
"تأصيل"
يؤشر مصطلح "الحوار" Dialogue لدرجة من التفاعل والتثاقف والتعاطي الإيجابي مع الحضارات التي تعتني به، وهو فعل ثقافي رفيع يؤمن بالحق في الاختلاف إن لم يكن واجب الاختلاف، يكرس التعددية ويقر قدرا من المساواة.
على أن الباحثين يربطون حينا الحوار بالحضارات ويلحقونه حينا آخر بالثقافات أسوة بالتصنيف الكلاسيكي، الذي يجعل من الحضارة تجسيدا وبلورة للثقافة، فالثقافة بالمفهوم الغرامشي: عادات وتقاليد ومعتقدات المجموعات البشرية التي تمتاز بسمات مستقرة، كما أنها بمعنى آخر مجموع الاستجابات والمواقف التي يواجه بها شعب من الشعوب ضرورات وجوده الطبيعي بما تحمله من عادات ومعتقدات وآداب وأعياد وآلهة...
أما الحضارة فكثيرا ما تعرف بكونها التجسيد العملي لتلك الاستجابات والمواقف وهي بالتالي تنزع إلى العمومية خلافا للثقافة التي تنزع إلى الخصوصية وبعبارة أخرى "فالثقافة هي الحضارة الخاصة بأمة من الأمم لا يشاركها شأنها أحد، وقد تصب ثقافات متعددة في نهر حضارة واحدة شأن الثقافة العربية والفارسية والتركية في الحضارة الإسلامية".
وعلى العموم فإن مصطلح حوار الحضارات كثيرا ما يركز على "الحضارة" أكثر بمعناها الثقافي، على أن الفوارق المفاهيمية بين "حوار الحضارات" وحوار الثقافات قد تتحول إلى شيات عند الحديث عنها، تبعا لضبابية وعمومية التعريف المصطلحي في أدبيات الباحثين وتجاوزا للمعنى الايتمولوجي.
يجدر التذكير بأن "فعل الحوارات" أو ميزة "الحوارية" طبعت مختلف الحضارات في تدرجاتها وتعرجاتها المتنوعة، وليس جديدا إلحاق الحوار بالحضارة، إن كان المقصود به (مشاركة فاعلين متعددين في صنع الحضارة) واغتناء نهر الحضارة المتدفق بإسهامات كل أمة.
إنما الجديد ينحصر فقط في هذا "الحوار الأبدي" للحديث عن حوار الحضارات ارتكاسا على مواقف آنية حينا، أو استجابة لمستجدات ضاغطة حينا آخر، أو وعيا بإلحاح وإلزام استمرارية تلك السمة...
اهتمام أممي...
وقد شهد العقد الماضي محاولات التأسيس للحوار من الثقافات والحضارات، بفعل تضافر عوامل عدة يتزاوج فيها الذاتي بالموضوعي، واقع متأزم يحرض على الحوار، ومجموعات متنورة من الفاعلين تبدو مشدوهة حيال واقع الإنسانية، ومشدودة إلى "الحوار" الذي ترى فيه خشبة الخلاص الوحيد أمام الأمم.
ولنا أن نعترف باستشعار المنظومة الدولية ـ ممثلة في الأمم المتحدة ـ لهذا الخطر، حين باشرت منذ عقود بإصدار حوليات وسلاسل تعرف بتاريخ العالم ومنها سلسلة اليونيسكو حول التاريخ العام، والجهوي، والبرنامج العربي "البرنامج المتوسطي" ومشاريع طريق العبودية، وطريق الحرير، ومشروع الحوار الثقافي، برنامج الحوار بين الديانات.
وتتويجا لتلك المجهودات وبمبادرة من الرئيس الإيراني محمد خاتمي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة سنة 1992 إعلان سنة 2001 سنة للحوار بين الحضارات لتتواصل انعقاد المؤتمرات المتعلقة بالموضوع، ومنها المؤتمر الدولي للحوار بين الحضارات الذي احتضنته نيودلهي، والمؤتمر الدولي للحوار بين الحضارات والديانات والثقافات المنعقد ما بين 15 و17 ديسمبر من العام 2000 بأبوجا، وكذلك مؤتمر حوار الأديان والثقافات في ظل العولمة الذي عقد ببون.
هذا فضلا عن إسهامات كل دولة بمؤتمراتها أو مراكز بحوثها المتخصصة، ونذكر في هذا الصدد الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، ... أحزاب الوسط في إسبانيا قد نظمت منذ أول من سنة ندوة حول الحوار بين الديانات في مدريد.
(حواريون... وحَواريون)
تتوزع الآراء بشأن حوار الحضارات إلى صنفين: فثمة دعاة الحوار بما يعني من
أخذ وعطاء وثمة دعاة للحوار بطريقة النصبة "الحواريين" للنموذج الغربي
والربط بين الحداثة والغرب، ولنا أن نسمي الصنف الأول "حواريين" والثاني
" حَواريين" بالنصب...
ويستمد الحوار وجاهته من معطيات عدة، وتتأسس مرجعيته حول دعوات الدين
والعلم ومقتضيات الواقع ومستلزمات المستقبل في آن واحد، فالدين الإسلامي مثلا
مكن الإنسان من حصانة تفوق أي انتماء أو هوية حضارية، قال تعالى: (ولقد
كرمنا بني آدم...) وهي حصانة وتكريم ثابت له بوصفه خليفة الله في أرضه،
والحضارة الإسلامية شهدت أوج ازدهارها حينما "حاورت" فاغتنت، واعتنت بمحاججة ومجادلة الغير دون أن تعطيه حقه،. فأسست فيلسوفها "المعلم الثاني" مواصلة
للمشوار، وإقرارا لما قدمه اليونان والمعلم الأول خصوصا في هذا الصدد.
والقس الإسباني "بارتولومي" في لازاس كالاس أطلق صرخته المدوية حينما قال إن
السكان الأصليين بأمريكا المكتشفة حينها حديثا، هم بشر كغيرهم، وتبدو عبارة من
هذا القبيل ساذجة في عصرنا إلا أنها كانت كشفا أكبر بكثير من اكتشاف مواطنه
كولومبوس، إلا أن الأول صدح بمبدأ ثابت في المتعارف عليه، والثاني اكتشف سكانا
خارج الحدود المتعارف عليها...
والفرنسي مونتانييه احتج ساخرا وناقدا نزعة الاستعلاء والفوقية وقال "إننا نسمى
بربرا الحضارات الأخر!" وتواصل الأمر من بعده لدى مونتسييكو في تصوره لناتتربولوجي الفارسي المشبع بمبادئ حقوق الإنسان القادم إلى باريس، وكذلك
الشأن عند "غوته" في "الديوان الشرقي والغربي".
دعوة الديانات وصيحات ثلة المثقفين المتنورين السابقين لزمانهم، وإفرازات
وتعقيدات الواقع، كلها أمور عجلت بالتركيز على الإقرار بهذه الحوارية قديما،
والدعوة إلى المزيد من تعزيزها مستقبلا، حفاظا على الحضارة في حد ذاتها، التي
تبدو حسب هؤلاء جميعا تراثا مشتركا من صنع فاعلين، وثمرة للتساكن والتفاعل
مع آخرين، وإنكارا لنزعات التفوق والسيطرة أو بمعنى آخر فالحضارة مدينة في
وجودها للحوار.
وفي الطرف المقابل لا نعدم من يعترف جهارا بأن الحضارة نتاج صراع مرير
بين الحضارات، ولما كان الأمر كذلك فهي ستغدو في النهاية "أسيرة" وغنية بين
المنتصر بكل نشاطه، وكان لهذا الفريق صوته الجمهوري أثناء الأزمات
والحروب الدينية طيلة القرون الماضية، وتم تطعيمه بأنساغ جديدة في عصرنا
الحديث، وعلى الرغم من وفرة الكتاب الأمريكيين المتبنين لمفهوم حوار
الحضارات، فإن وسائل الإعلام ـ ربما بدافع التسويق والتشويق وغلبة النزعة
الخوارقية، أو الترويج لما تعتقده، لم تبرز إلا كاتبين اثنين ملآ الدنيا وشغلا الناس
بنظريتهما ويتعلق الأمر بصوايل هنتغتون وفرانسيس فوكوياما،"فقد نشر هنتبغتوف مقاله "صدام الحضارات" لأول مرة في مجلة forcing Affairs صيف 1993 ورأى فيه أن صراع الحضارات هو المؤثر الأكبر على القرن الحادي والعشرين وشخص ثماني حاضارات فاعلة ومتفاعلة في شؤون العالم هي الغربية ،الكنغوشينية (الصين) الشنتونية (اليابان) الهندوسية، الافريقية، اللاتينية الإسلامية واعتبر أن الإسلامية والكونغوشية هما الأكثر احتمالا للتصادم مع الغرب في السنوات القادمة أما الحضارات الأدنى فهي إما مسترخية أو متحالفة مع الغرب، وأوصى هنتغتون بمنع أي تحالف بين الحضارتين الإسلامية والكونغوشية، وأن يوثق الغرب الأواصر في دائرته الحضارية ويدخل في حلفه أوروبا الشرقية أو حتى اليابان.
أما فوكوياما فقد بشر بنهاية التاريخ والانتصار النهائي للنسق الغربي الذي اعتبره
نهاية للتاريخ بالمفهوم الماركسي، عندما تصل المؤسسات الاقتصادية والبشرية إلى
ذروتها قبل أن يخرج من الإطار الاقتصادي لتعتبر العولمة سيطرة لثقافة على الثقافات
الأخرى..
ولعل من الواضح أن كتابات المؤلفين تتلقت ترحيبا كبيرا من الدوائر الرسمية في
الولايات المتحدة الأمريكية التي أبرز فيها بعض الرسميين كيف تؤثر كتابات
هؤلاء فيهم.
تعددية وتساوي الفاعلين ـ وخلافية القضية
يقتضي الحوار سلفا تعددية الفاعل وخلافية القضية، والتساوي بين المباشرين لهذا
الفعل النبيل، وهو عملية تتيح للمشارك فيها التحول إلى فاعل ومفعول معه بدل
مفعول فيه بلغة النحاة.
فالحوار على حد تعبير أدغارموران يقتضي المساواة، فلا حوار بين العبد والسيد،
ويمكن كل فرد من عرض وجهة نظره وبراهينه، إنه استعداد للاستماع للآخر
وإقرار بكونه يستحق أن ينصت إليه إذا تحدث، وأن يتحدث إذا أراد..
وبديهي كذلك أن لا حوار إلا في القضايا المعلقة التي لا تحظى بدرجة الإجماع، كما
أن التعددية في الحوار شرط لقيامه وإلا لتحول من Dialogue إلى مونولوج Monologue حديث المرء إلى نفسه! وهي التعددية التي تقتضي عند الحديث عن حوار الحضارات
عدم الاقتصار على طرفين، بل إشراك كل طرف لمجموعة من الفاعلين والنأي عن
فرض المواقف أو التنديد بالمواقف التي يطرحها الطرف الآخر أو التشكيك في
مقدساته أو حمله على تبنى موقف محدد، فالمهم في البدء تفهم كل طرف للآخر
والاطلاع على خلفيات مواقفه بل وينبغي أن تنطلق من فرضية تطرح عدم
ضرورة تغيير أي من الجانبين لتفكيره وسلوكه ليتحول السؤال من (من الأفضل
والمتفوق) إلى من الذي يعترف بالآخر أكثر...
ويوصي الباحثون بضرورة الابتعاد عن الاستمداح والإعراض عن الإعجاب
المتبادل، ولئن كانت محفزات ومبررات حوار الحضارات جد وجيهة فإن عوائقه
لا تعتبر بالنادرة كذلك، إذ أن الاستعداد النفسي للتعاطي مع أبناء الحضارات
الأخرى لا يكفي للوصول إلى المطلوب، فالقضايا العالقة تتداخل فيها التجارب
الواقعية والسياسية والتاريخية، وقد يبرز أحد العوامل على نظيره بطريقة غير
متواترة، فضلا عن أن من أكبر عوائق الحوار الصور النمطية المتولدة لدى
المتحاورين، والمنطبعة في أذهانهم عن غرمائهم السابقين، ولنا في نموذج علاقة العالم
الإسلامي بالغرب أكبر دليل، والمسلمون ينظر إليهم على نطاق واسع هناك
بوصفهم همجا غير متعلمين وغير متحضرين، مقهورون جنسيا، سلطويون،
غيبيون لا ينتجون إلا الأبناء.
ولاحظ باحث عربي أنه عندما لجأت سيدة بوسنية مسلمة للعمل مدرسة للموسيقى الكلاسيكية
ـ إلى أسرة أوروبية أعطاها مضيفها تعليمات حول كيفية استخدام المكنسة الكهربائية بعدما
افترض أن كونها امرأة مسلمة آتية من بلد مزقته الحرب يجعلها لا تعرف استخدام الأجهزة
الحديثة.
كما أن الحرب على الإرهاب تحت هذا التأثير لم تعد موجهة إلى القاعدة فحسب وإنما ضد
الحركات المسلحة والإرهابية التي تضم مسلمين بشكل عام، بما في ذلك التي تناضل من أجل
هدف عادل موضوعي كتقرير المصير ومواجهة المحتل.
ومن جهة أخرى يتصور الكثيرون في العالم الإسلامي أن الغرب يكرس نموذج المعتدي
الغاشم المحتل المساند للاحتلال الاسرائيلي الناهب للثروات المعبد لغيره، المطبق للمعايير المزدوجة، المحتكر للحضارة، والمتماهي مع الحداثة.
وواضح أن كلتا الصورتين النمطيتين لاتعكس كامل الحقيقة، وتم تناسي الاسهامات الكبيرة للطرفين بالتركيز على إبراز فكرة محددة.
حتى نكسب الرهان
إن حوار الحضارات والثقافات ينبغى أن يعزز التسامح والتفاهم ويعمل على إشراك الآخر، واستكشاف القيم المتبادلة عن الثقافة الأخرى للمساهمة في إزالة لكليشيهات والصور النمطية.. هذا مع ضرورة طرح القضايا الجدية للنقاش والابتعاد عن الوعظ والتصريحات المغلفة بالنوايا الحسنة، وكما يعتبر الدكتور أحمد طالب الابراهيمي فمن الضروري النظر بروح نقدية إلى ذواتنا فضلا عن معالجة الجوانب الشعورية في شخصية المحاور، فلا يكفي لتنقية الأجواء مثلا الدخول في حوار غربي – إسلامي دون التعرض للاشكال المركزي في العلاقة (القضية الفلسطينية التي يتعذر وجود حوار عند تجاهلها، وكذلك باقي القضايا التي يشعر المسلمون حيالها بالغبن)، وهذا ما يسلمنا إلى الاعتراف وترسيم حدود الحوار، الذي سيلعب دورا مساعدا في حل العديد من الاشكالات، لكنه لن يحلها جميعا ، إذ منها ما يرتبط بالاقتصاد والسياسة .. وفي جوانب قد يقويها أو يضعفها المعطى الثقافي والديني، دون أن يسببها، أو حتى دون الفاعل الأول، فإيران الاسلامية تدعم الهند على حساب باكستان، وأوربا المسيحية تدعم البوسنيين على حساب الصرب.
بقلم: د. الحسين ولد امدو
المقال نشر 2004 في اخبار انواكشوط