يشكل الشاي عنصرا أساسيا في حياة الموريتانيين إذ لا تستقيم جلساتهم ولا يتم سمرهم دون حضور الشاي، كما أنه يرمز في بلادنا لكرم الضيافة، فهو أول ما يقدم للضيف عند وصوله، ويسمونه في اللهجة المحلية بـ "أتاي".
وقد تعددت في السنوات الأخيرة عيناته المستوردة من الصين وتعددت تسمياتها، والتي من ضمنها "مليكة"، "أزواد"، "الصفا"، "الربيع"، "العاصمة"، "الحلة"، "عمر طويل"، "الماس"، "أستار"، "العافية"... إلخ
غير أنه قبل يومين تم تداول "أنباء" تفيد بأن بعض أنواع الشاي "الورگة" معدة من مواد سامة، وتخلق تشوهات خطيرة في الجسم، كما تؤدي إلى أمراض مزمنة.
واقع سوق الشاي الأخضر في انواكشوط
تتسع سوق الشاي الموريتاني بشكل كبير، حيث تجاوز عدد الموردين للشاي "الورگة" العشرات، ولكون السوق ليبرالية يحق لكل رجل أعمال الاستثمار في المجال دون الحاجة إلى إذن أو ترخيص من القطاع الحكومي الوصي، بل المطلوب فقط أن يحصل على مبلغ مالي معين ويتجه نحو الصين ويكتب عنوانه المميز على حاويات وأكياس "شايه" ثم يقوم بشحن الكمية التي يريد ليضخها في أسواق انواكشوط ومن ثم أسواق مدن البلاد.
وأثناء تجولنا في سوق الشاي لاحظنا وجود مجموعة من الرعايا الصينين أنفسهم يتولون مهمة تسويق الشاي في دكاكين كبيرة وسط العاصمة انواكشوط.
وحسب تصريح أحدهم المقتضب فإن "الشاي بضاعة مربحة في موريتانيا ..".
ووفق مصادر "جمعية حماية المستهلك" فإن 5% من المبيدات الحشرية من ضمن مكونات صناعة الشاي بالإضافة إلى مواد كيميائية لتلوينه وحفظه.
وتسمح الدولة الصينية بتلك الكمية من المبيدات الحشرية إلا أن الاتحاد الأوربي لا يسمح إلا بكمية 2% فقط من تلك المبيدات.
وقال الخليل ولد خيري رئيس جمعية حماية المستهلك إنهم طالبوا السلطات بضرورة التحقيق في الموضوع، مضيفا في لقائه مع الساحة، بأنهم لم يحصلوا حتى الآن على معلومات يمكنهم من خلالها طمأنة المستهلكين بخصوص مادة الشاي، معربا عن قلقه إزاء الوضعية في ظل غياب دور الحكومة ..
واعتبر ولد خيري بأن المختبر الوطني هو وحده القادر على تحديد مدى خطورة تلوث مكونات الشاي، وأن جمعيته تقدمت قبل أسبوع بطلب لإجراء تحقيق حول الموضوع إلا أنهم لم يجدوا آذانا صاغية حتى الآن من طرف الجهات الحكومية المعنية، مضيفا أنه لا يعتقد بأن الشاي وصل مستوى من الخطورة أو الشناعة مثلما أشيع مؤخرا وإنما هناك قلق وخشية فقط لديهم من ارتفاع نسبة المبيدات الحشرية في عينات منه.
رأي مورد مادة الشاي كابر هاشم ولد احمد طالب
قال مورد الشاي كابر هاشم ولد أحمد طالب (يعمل موردا منذ 10 سنوات لمجموعة من أنواع الشاي من الصين)، إنه يطمئن المواطنين بأنه لا توجد أي خطورة في مادة الشاي مضيفا أن المختبرات الصينية تؤكد بأنها توافق المواصفات الصحية .. وفق تعبيره
وأكد ولد احمد طالب أن صناعة مادة الشاي تتكون من مواد كيماوية وأسمدة لا يعرف طبيعتها بالضبط لكنها تساعد في تخصيب التربة التي تستخدم لزراعة الشاي، ولإطالة حفظ المادة، نافيا أن يكونوا كموردين لديهم أي علم بوجود مبيدات حشرية في صناعة مادة الشاي التي يقومون بشحنها يوميا بكميات كبيرة إلى ميناء انواكشوط.
واعتبر بأن نفس مواد الشاي الموجود في السوق الموريتاني هي المتداولة بكثرة في الأسواق المغربية ودائما تخضع للفحص في المختبرات ولم يلاحظ فيها أي شيئ.. على حد قوله
وقال ولد احمد طالب إن ما سماه شائعات وجود مادة سامة في الشاي، أضر كثيرا بائعي وموردي الشاي، وهو ضرر في تزايد إذا ما تم نفي تلك الشائعة وطمأنة المواطنين بأن مادة الشاي غير مسممة اطلاقا.
بائعو الشاي: الاقبال في تراجع .. ولم نلاحظ أي ضرر في مادة الشاي
موفد الساحة زار بعض المحلات التجارية لبيع مادة الشاي وقد أكد بعض بائعي المادة بأنهم لا حظوا خلال الأيام الأخيرة تراجعا في شراء عينات من مادة الشاي الأخضر "الورگة" ، ويرجحون أن تكون إشاعة وجود مواد سامة في بعض مكوناتها سبب ذلك التراجع، وأكدوا بأنهم يستعملون بأنفسهم عينات من مادة الشاي التي يقومون ببيعها لزبنائهم ولم يلاحظوا أي ضرر فيها، ولا يعرفون شيئا عن مكوناتها ..
المختبر الوطني: "لم يصلنا شيئ .. والأمر لا يعنينا"
وصلنا في حدود الواحدة والنصف زوالا لمقر المختبر الوطني قبالة الناحية الجنوبية للمستشفى الوطني في العاصمة انواكشوط، والتقينا بسكرتاريا المدير العام التي أبلغتنا بأنه خارج مكتبه، فتوجهنا إلى مكتب رئيس مصلحة "مختبر الكيمياء الغذائية" الذي كان مغلقا هو الآخر، فتوجهنا إلى مكتب المستشار العلمي الدكتور إسلم ولد القاضي وبعد أن أبلغناه بمهمتنا المتمثلة في معرفة حقيقة ما يتم تداوله من تلوث لعينات من مادة الشاي؟ وهل لديهم رقابة عليها؟ وهل طلب منهم الكشف عن المواد المصنعة لها؟
قال لنا بأن الأمر يتطلب إذنا من المدير العام وأنه لا يستطيع الحديث معنا دون الرجوع إليه، وأحالنا إلى مكتب المدير الإداري والمالي للمختبر شيخنا، وبعد أن طرقنا باب مكتبه تفاجأ وأكد لنا هو الآخر بأن الأمر يتطلب إذنا من المدير العام، إلا أنه أبلغنا بأن القطاع الوصي لم يبلغهم بشيئ حتى الآن بشأن مادة الشاي، ومن العادة أن يحيل لهم مثل هذه المواضيع مثلما تم مع "الأرز" حين انتشرت شائعة قبل أشهر بأنه صنع من لبلاستيك، وهو ما نفاه المخبر بعد فحصه لعينات منه.
وخلال اتصالنا هاتفيا بالمدير العام الذي لم يزر مكتبه منذ يومين أبلغنا بأن "القضية لا تعنيه.."، وقال "عليكم الاتصال بوزارة الصحة".
وزارة الصحة تفضل الصمت .. وتوجس لدى إدارة حماية المستهلك
وزارة الصحة الموريتانية ترفض الخوض في الموضوع وتكتفي على لسان مصدر رفض الكشف عنه بتوزيع بيان صادر الاثنين 05 مارس 2018 عن المكتب المغربي لسلامة المنتجات الغذائية أكد فيه عدم اكتشاف أي تلوث فى عينات الشاي الأخضر فى المغرب مع إخضاعه للفحص قبل دخوله السوق، واعتبر أن ما تم تداوله مجرد شائعات غير صحيحة.
أما إدارة حماية المستهلك التابعة لوزارة التجارية والصناعة فقد أكد مديرها العام القاسم ولد اغويزي في تصريح لموقع الساحة حول الموضوع بأن قطاعه بدأ أخذ عينات من مادة الشاي للتحقيق في الموضوع، وبأنه لا يمكنه الآن إثبات أو نفي ما يتم تداوله حوله تسمم مادة الشاي حتى ينتهي مسار التحقيق حول الموضوع.
وقال ولد اغويزي إن إدارة حماية المستهلك معنية فقط بالبضائع التي دخلت السوق بالفعل، وليس بإمكانها منع دخول بضائع تالفة أو أخرى مضرة لأن ذلك لا يدخل ضمن صلاحياتها.
تضارب الرأي الطبي في البلاد بشأن تلوث الشاي
اختلفت آراء الأطباء في بلادنا بشأن تلوث مادة الشاي، فقد طالبت الطبيبة زينب بنت حيمدان من جميع المتناولين للشاي الأخضر أن يقوموا بغسله ثلاث مرات وبتصفيته في المرة الأخيرة كي ينحوا عنه المواد السامة وذلك قبل إعداد الشاي..
وقالت الطبيبة زينب لموقع الساحة بأنها لا تستهدف عينة محددة من الشاي، كما أنه لم تحظر شرب الشاي، وإنما دعت فقط إلى تنظيف الشاي "الورگة" خشية من المواد السامة الموجودة فيه وذلك من أجل الوقاية من السرطانات وغيرها من الأمراض التي يسببها تناول الشاي الملوث.
فيما اعتبر الدكتور سيدي عبد الجليل ولد المقري بأن نبات الشاي (نبات) لايمكن التلاعب به على عكس المواد الصناعية البحتة ، ومن المعلوم بأنه في عالمنا اليوم لاتوجد زراعة من دون أسمدة، ولكن يجب أن تكون تلك الأسمدة في الحد المسموح به دوليا، بحيث لا ينتج عنها اتلاف لبعض انسجة الجسم أو وظائفه ، مضيفا أن ادعاء وجود مواد سامة " في الشاي ، لايعني الحكومة الموريتانية فقط، بل وبالدرجة الأولى يعني منظمة الصحة العالمية، وثانيا دولة المصدر، الصين، التي وصفها بأنها رائدة الشاي في العالم، كما أن رائدته في الحكمة الطبية ، فهي التي تمتلك مقولة " الوقاية خير من العلاج " ..
وخلص الدكتور ولد المقري إلى القول بأنه "لا وجود إطلاقا لأيّ دليل علمي أو مادي يثبت احتواء الشاي على مواد مسرطنة، فلا المركز الدولي للسرطان أشار إلى ذلك، ولا المراكز العلمية المتخصصة في آمريكا واستراليا وأوروبا ألمحت إليه، ولا مراكز منظمة الصحة العالمية استطاعت عبر خبرائها ومراكزها العلمية تأكيده أو الإشارة إليه" وفق تعبيره
المواطنون: سنحتسي الشاي مدى الدهر "ؤيا امبان انكفاي"
أغلب من ألتقيناهم من المواطنين الموريتانيين أكدوا لنا بأن الإشاعات التي تتحدث عن تلوث الشاي لن تدفعهم إلى تركه لأنهم يعتبرونه جزء لا يتجزأ من حياتهم، وسيتمسكون به وباحتسائه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقال أحدهم "اندور نشربو أتاي ؤيسو إل خالكلو ؤيا امبان انكفاي".
وكأن العلامة الجليل بابا بن الشيخ سيديا رحمه الله وصف حالهم بقوله:
يُقيمُ لنا مولايُ والليلُ مقمرٌ ** وأضواءُ مِصباح الزجاجة تُزْهِرُ
وقد نسَمَت ريحُ الشمال على الرُّبى ** نسيما بأذيال الدجى يتعَثرُ
كؤوسًا من الشاه الشهيِّ شهيةً * *يطيب بها ليل التمام فيقصُرُ
وقليل هم من يكرهون الشاي ويبتعدون عن شربه أو سمره، ليسلكوا بذلك نهج العالم الأديب بابه بن محمودا بن محنض القائل
نحِّ عني الأتايَ إن ارتشافِي ** لكؤوس من الأتاي ضلالُ
تَلَفُ المالِ واستدارة شِرْبٍ ** وفضولٌ من المقال يقالُ
وكفاهُ أن الأطباءَ قالوا ** إنه في الجسوم داءٌ عضالُ
وفي ما يلي صور تخدم الموضوع