على مدى خمسين سنة خلت، تستغل موريتانيا ثرواتها الغنية بأنواع مختلفة من السمك الطبيعي، دون أن تكون قادرة على الوصول إلى تحقيق أو مقاربة الربع الاقتصادي والاجتماعي والمالي الذي يستفيد منه جيرانها من دول منطقة غرب أفريقيا ،مثل المملكة المغربية و السنغال على الرغم من الجهود والاستراتيجيات المتعددة لتطوير هذا القطاع فلماذا هذا الركود ؟ سأحاول بشكل موضوعي قدر ما أمكن الإجابة علي هذا السؤال القديم والمتجدد.
توضح هذه المقارنة المرجعية لعناصر قطاع الصيد الأساسية بين المملكة المغربية وموريتانيا والسنغال الاستفادة الاقتصادية و الاجتماعية والمالية لكل بلد علي حده من مخزونه السمكي في الجدول التالي.
قبل الإجابة على هذا السؤال، أود أن أوضح لمنتقدي ومعارضي أن الهدف من طرح هذا السؤال يندرج في إطار التقييم والتشخيص والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أمر به فخامة السيد محمد. ولد عبد العزيز، رئيس الجمهورية لبناء موريتانيا جديدة متطورة وموحدة ومزدهرة.
بخصوص السؤال الوجيه وحسب رأيي المتواضع كفني مر قطاع الصيد بمراحل عديدة ،بما في ذلك المرحلة الأولية و هي اكتشاف كنز هائل من الثروات السمكية، ثم اعتراف الدولة و الجهات المانحة بأهميته الاقتصادية وهكذا بدأت الخطوات الملموسة في أوائل التسعينات حيث اتسمت برسم استراتيجيات وخطط منها ما نجح مثل مرتنة الوظائف خاصة في قطاع الصيد الصناعي ومنها ما فشل تماما حيث بدء السباق على مدار الساعة نحو النهب والفساد والتسيير الفوضوي. ووصل القطاع سنة 2005 منهكا بأسطول صناعي بلغ 347 سفينة صيد ممرتنة جلها من أصل صيني متهالكة في نهاية عمرها وعندها ازدهرت صناعة الزوارق بشكل فوضوي كاد يخرج عن السيطرة.
وجاء مشروع التغيير البناء سنة 2009 حيث بدأت فعلا الأمور تتحسن شيئا فشيئا فأزيح حطام السفن المتهالكة المتناثر في قاع البحر وتم تعزيز قدرات الرقابة علي السفن الأجنبية التي كانت تنهب خيراتنا من دون رقيب و بدأت عجلة التغيير البناء تدور رحاها لتنجز المشاريع العملاقة في زمن قياسي فقامت بتوسيع وتجديد كافة موانئ البلد وانجاز موانئ جديدة كميناء تانيت وانجاكو و فرنانة في الجنوب لتخفيف ازدحام النشاط في الناحية الشمالية من البلد.
و عندما أحست بهشاشة امن سفن الصيد التقليدي اشترت من اليابان شركة جاهزة لصناعة سفن صيد أكثر أمنا وراحة ومرد ودية للمواطنين العاملين في قطاع الصيد التقليدي و الشاطئ وأمرت بتأميم مخزون صيد الإخطبوط وتخصيصه للوطنيين دون غيرهم و عززت قدرات التكون البحري إلا أن هذه النظرة الشمولية العميقة لتطوير القطاع سرعان ما اصطدمت بإجراءات شخصية و مصالح ضيقة أعاقت دوران عجلة النمو لتجعله بطيئا وخجولا، ولا يتناسب مع حجم الانجازات.
أول هذه الإجراءات وأكثرها خطورة على القطاع في المستقبل القريب هو ولوج السفن الأجنبية إلى النظام الوطني ، دون تغيير دولة علمها، لأنه لا يتعارض فقط مع مبادئ زيادة الفوائد الوطنية، ولكن أيضا سوف يقلل من المخزون الوطني لان الإنتاج يحتسب عالميا لدولة العلم وليس لميناء التفريغ.
ثانيا إفراغ القطاع بالكامل من مهاراته ، واختصاصيه وفنييه ، الذين يمكنهم أن يقولوا لا ، من خلال توزيع المناصب وفقا للمزاج والمصلحة الشخصية للوزير، مما يؤدي حتما إلي سوء فهم لغالبية المشاكل اليومية المطروحة علي هذا القطاع الحيوي.
ثالثا، تغيير وجهة تدخل المشاريع والبرامج والمساعدات الفنية الممولة من طرف الشركاء والمانحين الدوليين والرامية إلى تعزيز قدرات الإنتاج والاستثمار في القطاع لتكون مصدرا ماليا للدخل غير معلن بالتوازي مع ميزانية الدولة التي غالبا ما ترد إليها للتمويه.
رابعا، عدم وجود رؤية اجتماعية واضحة ولا متابعة منتظمة لدي القطاع علي المدى الطويل أو المتوسط أو حتى القصير من أجل استيعاب البطالة المتزايدة وغير المعقولة في قطاع حيوي كالصيد حيث استطاع جيراننا من الشمال ومن الجنوب ببساطة حل هذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة [البطالة] التي تؤرق حكومات الكثير من البلدان في العالم فعندما تقارن بين اكبر تقديرات القطاع 55000 وظيفة عمل فقط في بلدنا مقابل 600000 و 700000 في السنغال و في المغرب تجد انه في الحقيقة الموضوعية الفرق شاسع ويجب تخفيفه في أسرع وقت.
خامسا، ضعف القدرات البشرية والمادية والمالية لمعظم الإدارات البحرية المسئولة عن متابعة الأنشطة، وتداخل الصلاحيات بينها، وتشتيت الجهود، وبالتالي تعطل الخدمات الذي ينعكس تلقائياً على تطور القطاع.
سادسا الفراغ القانوني المقصود، من خلال تأخر اعتماد أغلبية النصوص (المراسيم والقرارات) الخاصة بتطبيقات قوانين الصيد البحرية التجارية المصادق عليها منذ 2013. سابعا ، ... للمتابعة
حيث يتطلب نشاط الصيد، مثل أي نشاط آخر يزاول في البحر، تطورًا متزامنًا ومتناسقًا ومتماسكًا و متابعة منتظمة لجميع عمليات عناصر سلسلة الإنتاج، بدءًا من صيد السمك في البحر إلى صحن المستهلك.
تبدأ هذه السلسلة بتأهيل المصادر البشرية (الفاعلين والقوى العاملة) ، والرصد المنتظم للموارد (إمكانية الاستغلال) ، وسلامة أداة الإنتاج (السفن) ، وتوفير البنية التحتية للتفريغ (الموانئ أو منصات التفريغ المستصلحة و المتكاملة علي الشواطئ ) وسعة كافية لمنشئات تثمين الأسماك (مصانع مجهزة ). فإذا كان أحد هذه العناصر الأساسية غير فعال أو لا يعمل بشكل صحيح ، يتوقف النشاط. مباشرة حيث لا تقبل في هذا الوسط الموحش للبحر الإصلاحات النظرية المؤقتة كما يفعل خبراء الكمبيوترات.
في الختام ،. يتضح من الوضع الحالي لمختلف مكونات القطاع، سواء كانت تقليدية أو ساحلية أو صناعية ، أن الإجراءات المتخذة منذ أكثر من عامين لتنفيذ إستراتيجية الحصص (2015-2019) ، متناقضة وغير متطابقة مع رؤية فخامة السيد محمد ولد عبد العزيز رئيس الجمهورية التي تهدف إلى خفض سريع في البطالة وزيادة ملحوظة للفوائد الاجتماعية والاقتصادية والمالية للقطاع.
أعتقد كذالك أنه سيكون من الضروري أن نكون مستعدين في المستقبل لزيادة هذه الفرص والاستفادة أكثر من التطور الملحوظ للخدمات والمهن والحرف المصاحبة لصيد الأسماك ، والنقل البحري ، واستكشاف واستغلال إمكانات النفط / الغاز في المياه الوطنية.
وتحقيقاً لهذه الغاية، أقترح علي دولة معالي الوزير الأول المهندس الرئيسي يحي ولد حد أمين إطلاق أيام تشاوريه موسعة تشارك فيها جميع قطاعات الدولة والفاعلين الخصوصيين الوطنيين و الدوليين لتشخيص وتقييم صريح و حقيقي يخرج بإصلاحات شاملة تأهل البلد أكثر للاستفادة من ثرواته المستغلة في عرض البحر من صيد و بترول و غاز.
سيد محمد ولد مجمد الشيخ
خبير في الشؤون البحرية
هاتف 26411837