أخطر ما في الأدوية المزورة أنها قتلت كل إنسانية في قطاع عموده الفقري وأساسه يقوم على الإنسانية.. الطب والصيدلة والمختبرات والجهاز الرقابي..!!
أخشى أن يقودني الحماس فأغرب، لأقول: "إن بيع المخدرات أشرف من بيع الأدوية المزورة، وقد تجد المخدرات مساغا في الشرع لا تجده الأدوية المزورة". أولا، لا أريد أن أثير على الناس جلبة لا تضر مزوري الأدوية وتنفع تجار المخدرات.
ولا أتوقع أن يتجار المزورون في المخدرات، ليس تورعا، فلا حظ لهم من تلك المادة الفعالة، تماما مثل أدويتهم المغشوشة، بل، لأنهم جبناء، والمخدرات أخطر عقوبة في الدنيا، وأعظم فضيحة، وأقل ربحا من سمومهم القاتلة!!
يخجلني أن أكون تاجرا في زمان اختفت فيه المواد الأصلية من السوق وانتشر فيه التطفيف والتزييف والغش والخداع.. وأخطر من ذلك بيع مواد هي في الأصل مزورة ومحفوظة في ظروف سيئة أو معروضة في ظروف أسوأ وكثيرا ما تكون منتهية التاريخ المفترض إذ لا صلاحية لها.
قلت لصديق: "شاركني في صيدلية لا تبيع إلا الأدوية الأصلية" قال وبكل ثقة: "أنت في الشعر والأدب أحسن منك تاجرا". قلت: ربما يكون صدق. إلا أن السوق وبسبب عامل الندرة تحتاج دائما إلى تلك العملات الأصلية: "الأمانة، الصدق، الإخلاص، الوفاء، الشرف، القناعة.." وهي منتجات يحتاجها الإنسان في غياب رقابة الدولة وسيطرة المسؤولين الفاسدين المرتشين ورجال أعمال مفسدين، مصاصي دماء!!
لقد زورت الأدوية، وبعد أن فقدت الصيدليات العادية سمعتها تطور الأمر وانتقل إلى صيدليات "سوبر" شكلها "شيك" و"متكلفة" وغالية جدا وتافهة جدا.. إنها تبيع نفس السموم بأسعار أغلى وأنوف أعلى كبرا وبطرا. لقد أصبحت تلك الصيدليات الضخمة غطاء تمرر فيه تلك السموم بهدوء مترف. هذا بعيدا عن العيادات الخاصة.. والتي لا رقابة عليها ولا خيار أمام الزبون مادام دخل في غبوبتها!!
لذلك.. أي مشروع مماثل سيواجه حرب ثقة قبل أن يواجه منافسة شرسة من أناس منحطين جدا. سيشوهون بما يعرفون في أنفسهم من الخبث والانحطاط. لذلك، أنا متأكد أن صديقي صادق في قوله، إلا أنني متأكد أن مشروعا مماثلا يستحق شرف المحاولة على الأقل، فربما ينجح وتتسابق إليه التجار وتتنافس فيه..
كل حل نقدمه سيكون ترقيعا إلا إذا استثمرنا في "الوعي" وتحركنا في سبيل ذلك.. لقد ظهر الفساد في البر والبحر، وحان لنا أن نقف في طريقه حتى لا يدهسنا..
نحن ننفق كثيرا من الوقت في السياسة وبطريقة واحدة، لم تعط نتيجة حتى الآن. وأظن أننا لو أنفقنا جزءا من هذا الوقت والجهد في إصلاحات أخرى لوجدنا نتائج أفضل.. حتى في السياسة"
ربما تكون هناك أدوية أصلية في السوق، وربما تكون هناك أدوية تصنيعها ليس بذلك السوء، وأخرى مستوى اللعب "بالمادة الفعالة" فيها ليس كبيرا.. ربما، لكن المؤكد أن ثقتنا كموريتانيين بسوق الأدوية في موريتانيا ككل أصبحت معدومة!! معدومة!!
كان الله في العون!!
نقلا عن صفحة المدون أحمد سالم ولد زياد