الانتساب وما أدراك ما الانتساب،
إنّ المتَتَبِّع لما يدور في عملية الانتساب الجاريّة في حزب "الاتحاد" يدرك لا محالة حجم الأضرار التي ألحقتها هذه العمليّة بالبلد والإنسان. إنّها حَوّلت معظم الأطر والموظفين والوجهاء إلى "شموع" (بُـوجْيات) تَحترِقُ وتَلتَهِبُ وتَذُوبُ لتُضيء لسِواها! وسلبَت الإنسان إنسانيّتَه وحوّلته إلى مجرّد "بطاقة تعريف"! ربمّا يقول لي قائل: وما الضّير في أن يكون الإطار شَمعة تحترق ليُضيء بَوصَلةَ الوطن؟ أليست"الشُّموع" مثالا يقتدى به في التّضحية والإخلاص عندما تشتعِل خدمةً للناس؟ وهذا كلام وجيه؛ ولكني أسأل: هل في موريتانيا من يَتَوَهّم أنّ ما نراه الآن من تضايق وتدافع وازدحام أمام لجان الانتساب هو لأجل الوطن وسَوَاد عيون الحزب؟ لو كان الأمر كذلك حقّا، لماذا لا نرى مثله وأكثر للنُّهوض بالأمن، والتعليم، والصحة، والنقل، إلخ؟ لماذا لا تلتهب "الشموع" وتتَجَمهَر الحشود ضد ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة؟ لن أطيل عليكم في هذا، إنّ "الذُّوَيْبَ شَرقَ ولاتَه" كما يقول المثَل يعلم أنّ الغرضَ من "انتِفاضة" الانتساب هو أن تنعمَ "شموع" القبيلة والطّائفة بنور التعيين والترقيّة في الإدارة والحزب وسدّ الطريق أمام الخصوم والمنافسين، إلخ،
كثيرون لا يرَون في "الشُّموع" أكثَر من كونها تزكم الأنوف وتملأ الجوَّ دخانا وتضرُّ بالبيئة الاجتماعيّة والسياسيّة، ولا تطرد الظلام؛ وفي النهاية يسألون: لماذا يتحَوّل هؤلاء إلى "شموع"؟ ألا يُمكِنُ الخَلطُ بينَ خدمَةِ النّاس وحفظ السلامة والكرامة؟ على سبيل المثال، لو أمَرَت لجنة التشخيص بإجراء عمليات الانتساب في وضَح النهار واكتَفَت بضوء شَمس القانون وشفافِيّة قمَر العدالة.. لما أُحرِقَت "الشُّموع"، ولما تحوّل السكان إلى "بطاقات تعريف" تَتَكدَّسُ في غيابَة جبّ طوابير المجهول.. وختاما، سيُعلق عليّ أحد المتحمسين، ويقول: من أين لك هذا الكلام؟ وأين كنتَ؟ والحزب الجمهوري؟ و، و، إلخ،،، نعم، كنتُ هنا! واكبتُ بعض التجارب السابقة؛ ولأجل ذلك، أستَمتِعُ بالحديث عن أشياء ومشاهد أعرفها تمام المعرفَة.
نقلا عن صفحة الوزير السابق محمد فال ولد بلال