ازدانت المكتبة الموريتانية أخيرا بكتاب رائع تحت عنوان "مرتع الذاكرين"؛ لمؤلفه فضيلة الأستاذ المبدع، والكاتب الفذ القاسم ولد أبنو ولد امحمد ولد سيدي الذي اصطفته المقادير ليتربى بين أحضان نداء المآذن الذي يملأ الأفئدة إيمانا والأسماع روعة، والقلوب طمأنينة، والأرواح سموا وطهارة؛ فيتشبع من صوتها الشجي حتى ثمل بحلاوة الإيمان صدقا ويقينا وطهرا.. كانت الكتب رفيقه الذي لا يتخلف عن ملازمته أبدا: عند احتساء قهوته، وحين تناول وجبات غذائه؛ فهي المقبلات الشهية لكل مذاقاته الحسية والمعنوية، وهي أنيسُه الذي لا تمل مجالسته؛ حتى صار العلم مصدر وعيه، ومحرك أحاسيسه؛ فكيف لا تقوده سلامة ذائقته، واكتمال علمه وفهمه، ونقاء قلبه؛ إلى الاشتغال بما ينفع الناس ويمكث في الأرض؛ فتثمر لنا شجرة إيمانه وتقاه ذلك الكنز الثمين: "مرتع الذاكرين".. امتاز كتاب "مرتع الذاكرين" بعمق المضمون وثرائه، وبالمنهجية الجامعة المانعة كما يقول أهل المنطق. إنه كتاب متنوع المعارف كالحديقة الغناء في وارف ظلالها، وتنوع ثمارها، وسحر مساكنتها والتنزه بين جنباتها.. إنه بحق إضافة نوعية: علمية وتربوية حقيقية لرفوف المكتبة الموريتانية لما تضم صفحاته من عطر يفوح بطيب يشفي الغليل جسدته المضامين والفحوى من درر مكنون، وقول موزون، وتحف رائعة، وكنوز ثمينة، تم عرضها في أسلوب منهجي رشيق وفريد وأخاذ. لقد اعتمد المؤلف في كتابه "مرتع الذاكرين"؛ نهج الملة الغراء والدين الحنيف حجة وصراطا؛ حيث كانت موازين الشرع قاعدة مقاساته، فجاءت مضامينه معالجة وسطية لاشطط فيها ولا غلو، فكان نورا للروح، وراحة للقلب، وبلسما وشفاء للنفوس من كل مظاهر وأسباب الاضطراب والقلق واليأس والحيرة والإحباط عند القارئ بغية القضاء بشكل جذري على غليان الخاطر وتعكر الميزاج؛ لأن مضامينه تجلو صدأ مرآة القلب وتغذي الروح بما يطابق الفطرة التى خلق الله الناس عليها. لقد شكل كتاب "مرتع الذاكرين" نبعا دائم الصفاء متجدد الخرير؛ فهو مزيج متجانس متصل الحلقات، مقطوع بصحة منقوله متنا وسندا، وسيظل عبقه مصدر هداية وإصلاح، ومدرسة للتربية وجامعا للمعارف.. وقد حقق المؤلف بالهمس النافذ للأعماق ما لاتحققه درر القريض ولا تؤديه الفصاحة في البلاغة أحيانا؛ فجاء كتابه كبيرا في قيمته عظيما في تأثيره. أجل؛ فقد جاءت نصوص الكتاب موافقة للفطرة السوية، مزينة ومحلاة بالقصص المعبرة، وبالتجارب الراشدة من خلال نفحات نقولاته عن مصادر التشريع مشفوعة بأقوال الصحابة والتابعين، وبتوجيهات العلماء المبرزين، مع الصدق في القول الناصح، والسداد في التوجيه الواضح، أضاء سبيله نور بصيرة مبصرة؛ فلم يكن وعظا مجردا، ولاترفا عبثيا.. اقتصر المؤلف على أرجح الأقوال وأصحها، ليتجنب السباحة في المطلق، والبحث في العموميات، والانطلاق من فراغ؛ فوظف ثقافة مفاهمية ثرية قفزت بمضمون الكتاب حتى جعلت منه شهادة حية كتبها المؤلف من وحي تجربته الثرية الواسعة وفق رؤية لا تخلو من جرأة وحس موضوعي ورصانة في التناول والتحليل، معتمدا على ما تداولته ألسن الأوائل والأواخر عن شيم النفوس الشريفة والأخلاق الكريمة والخلال الحميدة والانطلاق من الفراغ... بدل من فراغ.
نقلا عن صفحة الصحفي الكبير اعل ولد البكاي على الفيسبوك