يحتفل محليا و عالميا بحرية الصحافة . و رغم ما هو موجود من حرية اعلامية ،إلا أن مشروع السمعي البصري متعطل تقريبا ،والصحافة الورقية تعيش ضنك العيش بعد منع الاشتراكات رسميا، منذو مطلع ٢٠١٦. و مهنة الصحافة، خصوصا ، قطاع الصحافة الخاصة ، فى واقع الأمر، فقر مقنع .لكن الصحافة الحرة بسبب حرص المشتغلين فيها على استغلال فضاء التعبير المتاح ، تحولت إلى نمط من المخدرات . لها نكهتها ،التى تتحول إلى عادة يصعب الانفكاك عنها ، رغم محدوديتها فى تغبير الواقع الآسن و مصاعبها و عقدها الجمة . و ما زال الاعتقال و الاستهداف المتنوع ضد الصحفيين ممكنا فى موريتانيا . و فى هذا السياق عشت تجربة اعتقال مريرة، متنوعة الأمكنة و الأزمنة ، بسبب شكوى من طرف رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، إثر مقال نشر فى يومية الاقصى، يوم ١٨ مايو ٢٠٠٧. و بعد ذلك على ذمة التحقيق ،اعتقلت يوم ٢٤مايو ٢٠٠٧،و ذلك بالسجن المركزي الحالي،المجاور لقصر العدل .و فى يوم الأحد ٢٧ مايو جرت محاولة اغتيالى، دون جدوى ، لله الحمد و المنة .حيث اتصل المعني المجهول بأحد السجناء ، عالى الخطورة ،المسمى عبد الله ، الملقب لكحل.و طلبوا منه ،حسب ما تكرر فى هاتفه ، بالحسانبة ،"بطوه ٱلين يشرف على الهلاك و اخلو فيه لثر". و قال لكحل ،لن أنفذ هذا الطلب، رغم الوعود المغرية . و أبلغت فرقة الحرس، لكنهم أشاروا ضمنيا إلى عدم تحكمهم فى مسرح السجن الداخلي . و نصحوا فقط بتوخى الحذر . و قد أحسست بشيئ قليل عابر من الخوف و ثبتنى الرحمان . و من طرف تلك الايام، أنه ذات صباح بالسجن " وقت أتاي " فتحت الخبز، فوجدت قطع بيان مراسلون بلاحدود،المناصر لقضيتى و المطالب باطلاق سراحى . أرسله لى بهذا الآسلوب ابن عمى و اخى و زميلى يحيى ولد الحمد ، تفاديا لمصادرة الحرس . كما شاهدت داخل السجن، عبر قناة الجزيرة " النشرة المغاربية "، مرافعة الزميل محمد المخطار ولد محمد فال مدير جريدة النهار . و انقسم بعدها الصحفيون إلى أغلبية صامتة ، مناصرة لى، رغم تحركهم العلني فى البداية لصالحى ، إلا إن صحافة ولد بوعماتو تشكلت منذو تلك الأيام، ووجدت قضية اعتقالى و محاولة تجريمى فرصة لانتزاع الملايين من بوعماتو . بينما بقي كثير من الزملاء بعيدين عن تلك المهزلة ،و كان من أبرز المناصرين لى، سيد محمد ول أبه و محمد عالى ولد عبادى و محمد سالم ولد الداه ، وقبلهم طبعا، يحيى ولد الحمد
كانت فترة سجن و ملاحقة مؤلمة و مرهقة .و فى الأيام الأولى من اعتقالى انعقدت إحدى جلسات البرلمان و تمت مساءلة الوزير الأول فى هذا الصدد،من طرف النائبين ،جميل منصور و صالح ولد حنن . مما اضطر الرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله، للضغط لاصدار حرية مؤقة بعد أيام من اعتقالى . ثم انعقدت محاكمتى يوم الأربعاء ٢٤ إكتوبر ٢٠٠٧ ،على يد القاضى صمنبو محمد الحبيب ، و أصدر يوم الأربعاء ،سبع نوفنمبر، من نفس السنة ،حكما مدويا غريبا ، سنة نافذة و ٣٠٠ ملبون أوقية . على أساس غير وارد إطلاقا ،بعد اعادة التكييف إلى تهمة البلاغ الكاذب،حيث أن تهمة البلاغ الكاذب المدعاة ،لا أساس لها من الناحية القانونية ،حيث يشترط إبلاغ جهة أمنية أو قضائية أو إدارية ببلاغ كاذب ، و هذا كله بعيد من النشر المقتصر فى هذه الحالة على جريدة الأقصى، العدد ٢٤٢. و عندما صدر هذا الحكم ، كنت قد وصلت دبي فى الإمارات، بعد إن سافرت، مساء الثلثاء ،من مطار نواكشوط، مما اضطر بوعماتو للجوء للأنتربول ،بحجة أن الحكم الصادر ذى طابع جنائي،و جرت مياه السفينة لصالحهم، استدراجا و غرورا ، و سلمت بعد سنة و ثلاثة و عشرون يوما،وأدخلت سجن دار النعبم ،يوم ٣٠ نوفنمبر ٢٠٠٨ إلى يوم إطلاق سراحى بعفو رئاسي، بوم الأربعاء الموافق ل ٨ مايو ٢٠٠٩ . وللقصة بقية و الحديث ذو شجون .و قبل أن أختم هذه الحلقة ، أود التنيه إلى حجم الضغوط المحلية و الاقليمية و الدولية ، التى جرت ضمن هذا الملف ، و خصوصا فى شق الانتربول و من اجل إصدار الحكم ضدى فى جميع مراحل التقاضى .قال لى أحد محامى الخصم . ما رأيت طيلة تجربتى فى المحاماة ملف أدسم رشاوى من ملفك . يعنى طبعا ما بذل بوعماتو من مال لتوريطى . و الله خير حفظا .
بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن