لا بد من ((هيئة وطنية للحسبة ))
إن مطالبة فضيلة الإمام أحمدو ولد لمرابط المتكررة بإنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .هي مطلب جدير بالتلبية و الاهتمام والتطوير . فهذه الهيئة نحن في أمس الحاجة إليها لأننا في الأصل أهل عمران بدوي (بتعبير ابن خلدون) .وعهدنا قريب بالدولة المركزية و ما زال اغلبنا يحتفظ بعقليات لا تناسب العمران الحضري الذي أجبرنا على الاندماج المفاجئ فيه. ومعلوم ان العمران البدوي يرافقه نوع من التدين الفردي الذي يركز فيه الرقيب الاجتماعي ( الضمير الجمعي ) على أداء الأفراد للشعائر الدينية و لا يكاد يهتم بفرض التحلي بأخلاق المعاملات والآداب العامة (الوفاء و عدم الحاق الضرر بالمصالح العامة، احترام الطابور ؛النظافة،مراعاة مشاعر الغير ومصالحهم...).
وفي العمران الحضري في أي دولة إسلامية لا بد من وظيفة (الحسبة). التي كان يقوم بها المحتسب في العهود السابقة
وهي وظيفة يسهر صاحبها على ضمان احترام النظام العام و الآداب العامة في الشوارع والأسواق و في المجال العام عموما.
ولا يقتصر دور المحتسب على ضمان احترام الأخلاق فقط بل يزيد على ذلك ضمان عدم الأضرار بالمصالح العامة في الشوارع والمرافق العامة والأسواق والطرق .الخ.
و يمكن للهيئة التي تتولى خطة الحسبة ان تكون شرطة او جماعة علمية او لجانا شبابية...الخ. المهم ان يتم تكوينها و تنظيمها بطريقة مناسبة قانونيا و اجتماعيا ونفسيا.
اما عن حاجتنا -ونحن دولة اسلامية- الى هيئة للحسبة فهو ما يتجلى في شيوع كثير من التجاوزات على المصالح العامة والاداب العامة نذكر منها:
- الاعتداء على الطرقات بالاستيلاء على بعض أطرافها و ترك انقاض البنيان و السيارات المتعطلة على جوانب الطرق ورمي الاوساخ والقمامات عليها .
- اطلاق العنان لمكبرات الصوت في محلات بيع الأشرطة (الغنا ئية والدينية وغيرها)وفي محلات ما يسمى تحويل الأموال والرصيد .و في ذلك من الضجيج الضار براحة السكان و صحتهم ما لا يخفى.
- معاكسة بعض الرجال والشباب للنساء في الشار٩ع والمحلات و قد يصل الأمر الى نوع من التحرش و الاعتداء على الأعراض.
- التبول في الشوارع وعلى اطراف الطرقات.
- المخالفات المرورية التي تعتدي على حق المارة .فتجد سيارات تخرج من الطريق المعبد لتأخذ الرصيف المخصص للمارة مهددة سلامتهم .
-عدم احترام معايير وضوابط فتح المؤسسات و المحلات و الورشات وخاصة المدارس وورشات اصلاح السيارات و الصيدليات والمطاعم والمدارس وغيرها وغيرها.
- الفوضوية في محلات الطب التقليدي ومحلات التداوي بالأعشاب و الرقية .وهو ما يهدد صحة العوام و عقائدهم .
- وجود اماكن مشبوهة قد تستغل لممارسة الدعارة و بيع المخدرات والخمور دون ردع مناسب.
- وجود أدوية مزورة و بضائع منتهية الصلاحية معروضة للبيع في كثير من المحلات دون وازع ولا رادع.
هذه أمثلة - والقائمة تطول- تبرهن على حاجة بلدنا الى هيئة للحسبة او لحماية المصالح الاجتماعية العامة والنظام العام.
كثيرا ما يسأل بعضنا: ما السر في احترام مواطني الدول المتقدمة للنظام العام والآداب العامة (احترام آداب الطريق،النظافة،عدم الغش في المعاملة، احترام القوانين ...الخ) و غياب هذا الاحترام للنظام العام والآداب العامة في مجتمعنا؟
والجواب في غاية البساطة وهو ان احترام مواطني تلك الدول للنظام العام والآداب العامة هو نتيجة لتضافر عاملين .أولهما :وجود قوانين ونظم تفرض احترام النظام العام وتعاقب اي مخالفة لأحكامه.فيمتثل مواطنو تلك الدول لأحكام النظام خوفا من التعرض لللعقاب .و قديما قيل:((من أمن العقوبة أساء الأدب)). والعامل الثاني :ان مواطني تلك الدول المتقدمة لاحظوا ولمسوا فوائد و ثمار احترام النظام العام والآداب العامة .فأصبحوا تدريجيا يمتثلون احكامهما طواعية حتى حصلت لديهم عادة هذا الامتثال الطوعي .فصار أي اخلال بأحكام النظام العام والآداب العامة هو في نظرهم خطر يهدد مصالحهم الشخصية التي تضمنها المصالح العامة .ومن هنا يكون فاعل هذا الإخلال مستهجن الصنيع و مطلوب الأبلاغ عنه لدى السلطات المختصة.
ولا تقدم لأي مجتمع في هذه الحياة الدنيوية الا بتضافر هذين العاملين (عامل الزجر وعامل الاقتناع )لدى اغلب أفراده.
أمر آخر لابد من التنبيه إليه لكي لا تكون هذه الدعوة مجرد وعظ مثالي لا يرجى تطبيقه .وهو انه لا بد ان تتوفر البدائل الصالحة للمواطنين وذلك بإعادة ((تهيئة المجال الحضري)) و توفير الأطر القانونية والتنظيمية التي تتكفل بضمان احترام النظام العام والآداب العامة. وكذا توفير البنى التحتية الضرورية.والا فكيف نلوم مواطنين يقومون بالتصرفات التالية:
-مواطن حاقن يضطر الى البول في الشارع بعد ان يئس من وجود دورة مياه عمومية في المنطقة التي هو بها .
- مواطن يحتا ج اعادة بناء منزله ولابد له من جلب تراب و محار وحديد .و الشارع الواقع منزله عليه ضيق جدا بحيث اذا وضع التراب والمحار عليه سدا اكثر الطريق.
قديما قيل أيضا ((إذا أردت ان تطاع فمر بما يستطاع))
وقال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له: ((إياك إياك أن تبتل بالماء)).
نقلا عن صفحة السالك محمد موسى حماه
باحث في العلوم الشرعية والانسانية