كان أهم شيء أثر على الرئيس الأمريكي السابق براك أوباما، كمرشح للحكم سنة 2008 وكرئيس ضعيف بعد ذلك للدولة الأقوى في العالم لمدة 8 سنوات، هو كونه لم يتقلد في حياته أي منصب تنفيذي قبل أن يصل إلى البيت الأبيض.
فالقادة والأحزاب السياسية، كما هو معلوم، ينبغي أن يمتلكوا تجربة تنفيذية واسعة ليتمكنوا من النجاح في الحكم والإدارة. ورئاسة مؤسسة تجارية متوسطة الحجم قد تكون أفضل مثلاً، من وجهة نظر إدارية وتنفيذية، من منصب نائب برلماني، على أهميته التشريعية والرقابية.
خبرة الحكم المنشودة هي أن تكون لك تجربة معتبرة في تسيير الموارد وتنفيذ المشاريع، والمسئولية المباشرة عن الموظفين والمواطنين العاديين، وإدارة المشاكل اليومية وخلق الحلول، والتقييم العملي للسياسات.
وفِي ظل احتكار المناصب التنفيذية في موريتانيا على الموالين السياسيين لنظام الحكم، تبقى المجالس الجهوية، ومثلها البلديات، الوسيلة المتاحة لأحزاب المعارضة في اكتساب تجارب تنفيذية وإدارية، على الرغم من ضعف سلطة هذه الهيئات، وكثرة معوّقاتها، ومحاصرة اختصاصاتها من قبل الجهاز التنفيذي وإدارته الإقليمية.
ببساطة، من يسعى لأن يكون مسئولاً عن توفير الغذاء والأمن ومتطلبات الاستثمار والتنمية وإدارة العلاقات الدولية واتخاذ قرار إرسال المواطنين إلى جبهات القتال لا بد أن تكون له تجربة تزاوج بين المبدأ والواقع، تُهيئه لهذه المسئولية.
يعجب المرء من انتقاص البعض من قرار حزب تواصل ترشيح رئيسه السابق السيد محمد جميل ولد منصور لرئاسة المجلس الجهوي لانواكشوط، وتفضيلهم لمنصب نائب في البرلمان على إدارة هذه الهيئة المحورية. والواقع أن ولد منصور لو وصل إلى رئاسة هذا المجلس سيحقق بذلك حزبه أفضل تجربة حزبية تنفيذية من خارج النظام الحاكم، ربما منذ الاستقلال.
التساؤل المشروع هو: هل منتدى المعارضة قادر فعلا على الفوز بجهوي انواكشوط، أم أن حزب تواصل ربما جازف بأبرز زعمائه في مغامرة غير محسوبة؟ أما أن لا يرى أحدنا أهمية المسئولية عن إدارة ثلاث ولايات هي عاصمة البلد، مع اختصاصات موسعة، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، فعليه أن يراجع حساباته السياسية.
أعلم بأن السيد ولد منصور عوّد الموريتانيين على الاستعداد لخدمة المواطن وممارسة السياسة العامة بغض النظر عن العنوان أو موقع المسئولية. تارة عمدة لمقاطعة وتارة نائباً في البرلمان وتارة أخرى رئيساً للحزب السياسي الذي يمتلك الكتلة البرلمانية المعارضة الأكبر، دون أن يتقلد هو أي منصب انتخابي..
ومع ذلك فلو وصل إلى رئاسة المجلس الجهوي للعاصمة فسيكون هذا، باعتقادي، أهم منصب تقلّده حتى الآن. وسيكون أيضاً قد سلك طريقاً مؤهِّلا للحكم وإدارة الشأن العام لسنا فيه بدعاً من العديد من الدول الديموقراطية.
فعُمَد مدينة نيويورك مثلا مرشحون شبه دائمين للرئاسة والوزارة في الولايات المتحدة. وفِي فرنسا كانت بلدية "Neuilly-sur-Seine" طريق ساركوزي الأبرز للحكم، وقبله كانت بلدية باريس كذلك بالنسبة لجاك شيراك، ومثلها بلدية إسطنبول في تركيا بالنسبة لطيب أردوغان، وبلدية طهران لمحمود أحمدي نجاد.. هذا مع وجود أنظمة حكم يمكن اكتساب الخبرات التنفيذية في ظلها بشكل واسع، دون تدخل السلطات الحاكمة.
أما عندنا نحن، فالنّحاة يقولون إن "العمدة" في اصطلاحهم هي ما لا يصحّ حذفه من الكلام، على عكس الفضلة، والسيّاسيون ينبغي أن يأخذوا بنفس القاعدة. فلو حُذفت مناصب العُمَد، بخصائصها التسييرية والتنفيذية المحدودة، من تجارب الأحزاب السياسية في موريتانيا فسيكونون كمن يسعى نظريا لإصلاح مركبة متعطلة دون أن يمتلك أي أدوات.
بقلم: عبد الله بيّان