حول حديث رئيس الجمهورية عن الصحافة .. (بيان)

22 سبتمبر, 2018 - 04:27

خلال  إطلالته الصحفية مساء الخميس 20 – 09 – 2018 تحدث فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز عن دعم الصحافة المستقلة وحريتها وأسباب حجب حكومته الدعم التقليدي للصحافة الخاصة كما تحدث عن تراجع أهمية الصحافة المكتوبة مبينا أن وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة السمعية البصرية هي الأكثر أهمية لدى الجمهور من نظيرتها الورقية.

ونحن في الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا، الذي تأسس في مارس عام 1994 ويضم صحفا ومواقع الكترونية مهنية عريقة، ويواكب المشهد الإعلامي والسياسي في بلدنا منذ ذلك التاريخ، نود أن نشاطر فخامة الرئيس بعض المواقف في هذا المجال وليأذن لها في مخالفته في البعض الآخر مقدمين مبرراتنا الواضحة لذلك إن شاء الله.

إننا بداية ندرك جليا أنه ليس لسيادة الرئيس مشكلة مع الصحافة المستقلة أو أي هاجس من ضمان استقلاليتها، لكن "فوبيا استقلالية الصحافة" هي بالفعل هاجس بعض البطانة التي تخشى كشف سوءاتها وفسادها، لذلك عملت على إجهاد الصحافة الخاصة ووأدها ثم خلق بديل لها يخدم توجهات تلك البطانة وسياساتها وينمو ويترعرع تحت أعينها بعيدا عن المهنية وخدمة موريتانيا وشعبها، ومن الطبيعي، والحال هذه، أن تسعى تلك البطانة لإقناع رئيس الجمهورية بضرورة وقف دعم الصحافة المستقلة والقضاء على الصحافة الورقية حتى لا تظل أداة رقابية قوية في وجه هؤلاء المفسدين

إن ما ذهب إليه فخامة رئيس الجمهورية من تراجع حضور الصحافة الورقية هو أمر واقع وليس في موريتانيا فحسب وإنما عبر العالم وذلك بفعل تطور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لكن ذلك لا يعني التخلي عن الصحافة الأعرق والأكثر أمانا، إذ تعتبر الصحف الورقية ذات المصداقية وهي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي لا تتأثر بانقطاع شبكة الانترنت والكهرباء ولا يمكن اختراقها وقرصنتها وتحوير محتوياتها، ذلك أن مادتها الانتاجية تعتمد على ما ينتجه طاقم الجريدة من أخبار وتقارير وتحليلات ومقابلات ومواضيع مختلفة، كما أنه يكفي مولد كهربائي عادي لتأمين صدورها فضلا عن أن مطالعتها ممكنة في أي نقطة من العالم وليس بالضرورة في مكان تتوفر فيه الانترنت والكهرباء وغيرها، ولا يمكن لأي جهة اختراقها وتغيير مضمونها كما يحصل مع المواقع الالكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثلا، لذلك تعتمد العديد من دول العالم على الصحافة الورقية كوسيلة إعلام آمنة لتمرير مواقفها وإعلان سياساتها ولا تكاد تخلو دولة من صحيفة عريقة مقربة من صناع القرار للأسباب المذكورة آنفا، إلى جانب عراقة الصحافة المكتوبة بوصفها دعامة الصحافة عبر التاريخ.

وفيما يتعلق بحجب حكومة فخامته للدعم التقليدي للصحافة ووقف الميزانيات الخاصة بالصحافة في القطاعات العمومية لأن بعض الأشخاص يوظفونها في تمجيدهم ويتلاعبون بموارد الدولة فإننا نعتقد أن ذلك لا يبدو كافيا لوقف أهم مصدر شبه دائم لدعم استقلالية الصحافة الخاصة لأنه أمر يمكن ضبطه وتقنينه.

وهنا سنذكر فخامة الرئيس بأن مؤسسات عمومية مثل ميناء الصداقة، قبل إصدار تعميم حجب الدعم بسنتين على الأقل، كانت تقدم الاشتراكات والدعم للمؤسسات الصحفية الخاصة اعتمادا على الجرد السنوي للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية، ولم يكن أغلب مسؤولي المؤسسات الصحفية يعرفون مديري الميناء ولا أيا من المسؤولين فيه فكان يتم الاتصال بالمؤسسة الصحفية انطلاقا من عناوينها المسجلة على قائمة الجرد المستلمة من السلطة العليا للصحافة لإخطارها بأن لديها مبلغا جاهزا للسحب لدى ميناء الصداقة وهو ما يحفظ كرامة الصحفي ويضمن توفير دعم غير مشروط للصحافة الخاصة لضمان أداء دورها كسلطة رقابية لا غنى عنها في كل الديمقراطيات التعددية عبر العالم، فماذا لو طبقت كل المؤسسات والقطاعات العمومية نموذج ميناء الصداقة وأصبحت هناك آليات مقننة ومضبوطة لتقديم الاشتراكات والدعم للصحافة الخاصة انطلاقا من الجرد السنوي للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية والإحصائيات التي تقدمها عن المؤسسات الصحفية بوصفها الجهة المختصة. ذلك أننا لا يمكن ان نقتنع بأن الحكومة استطاعت إيجاد قانون وآليات عادلة لدعم الأحزاب السياسية التي تجاوزت عتبة مائة حزب سياسي في بلدنا بينما عجزت هذه الحكومة عن تبني آليات مماثلة لدعم الصحافة المستقلة التي يعتبر دورها التنموي أكثر أهمية من دور الأحزاب السياسية في كل مكان وزمان.

وفيما يتعلق بتوفير الدولة دعما عموميا للصحافة الخاصة، وهو مبلغ 200 مليون أوقية قديمة يتم توزيعها بطريقة لا تتيح لأكثر المؤسسات الصحفية استفادة منه الحصول على ما يؤمن سداد 4 أشهر من ايجار مقراتها، فإننا نقترح على الحكومة إعادة صياغة مرسوم جديد لتعيين أعضاء لجنة تسيير وتوزيع موارد الصندوق المذكور بما يحصر الدعم في الصحافة الخاصة فقط ويضبط آلية التمثيل بطريقة تلقائية تضمن التمثيل العادل لكل من يستحق دون الحاجة الى ايداع عشرات ملفات الترشيحات لعضوية اللجنة، مثل اعتماد أقدمية الترخيص للهيئات المعنية التي تصبح ملزمة باقتراح ممثلين عنها من الصحفيين المهنيين ذوي التجربة الكافية في الميدان.

كما نقترح زيادة المبلغ الحالي ليصبح في حدود 800 مليون اوقية قديمة لأنها في النهاية موارد عمومية يستفيد منها مواطنون ومؤسسات وطنية وليس جهات أجنبية، كما أن الأعداد المتزايدة للمؤسسات الصحفية وإصرار السلطة على عدم حرمان من لا تتوفر فيهم معايير المؤسسة الصحفية يجعل من الضروري مضاعفة المبلغ السابق.

إننا في الاتحاد المهني للصحف المستقلة في موريتانيا واثقون تماما من أن الدور التنموي للصحافة المستقلة يبقى أكثر فاعلية من دور الكثير من الجهات التي تتلقى مبالغ طائلة من المال العمومي، خاصة وأن المؤسسات الصحفية تدفع لإدارة الضرائب من المصدر قيمة الضريبة الجزافية " IMF" وهي 4 % من كل مبلغ تحصل عليه المؤسسات الصحفية لقاء خدماتها مع القطاع الخاص وحين يتم جرد هذا المبلغ وحده سنويا فإنه لن يقل وفق تقديرنا عن عشرات الملايين من الأوقية القديمة أي أنه قد يقارب المبلغ المخصص سنويا لدعم الصحافة الخاصة.

إننا واثقون من أنه لا يمكن الحديث عن وجود ديمقراطية حقيقية في ظل تعطيل السلطة الرقابية الأهم وهي الصحافة المهنية المستقلة، التي يرتبط وجودها بوجود تنمية حقيقية شاملة، ومادامت هناك جهات نافذة تعمل على إعاقة دور الصحافة وتنجح في ذلك فإن الحديث عن الديمقراطية التعددية وعن التنمية يبقى حديثا بلا معنى.

                                              المكتب التنفيذي

                                نواكشوط بتاريخ: 21 – 09 - 2018

مرفقان (2)

 

 

 

 

 

 

اعلانات