قبل 10 سنوات جاء هذا الرجل الذي يحكمنا رغما عنا، جاء صدفة إلى سدة الحكم، كحاكم عربي خذله المسار الدراسي في صغره، أو كولي عهد نام واستيقظ على مقاليد الحكم في يده، كما يقع في الممالك العربية التي يتولى فيها عزرائيل مسؤولية(تغيير الحاكم) وفرض التبادل على السلطة..!
جاء "الجنرال" كفارس لينقذ الوطن من "الفوضى" أو من "الديمقراطية" بشكل أصح، و في حركة تصحيحية لما قال انه مسار انحرف عن طبيعته، جاء يقود جيشا جحفلا على ميمنته كتيبة برلمانية مجهزة بقوة القول، يقودها ولد محم، وعن يساره كتيبة من المدرعات مجهزة بقوة الفعل، يقودها هو بنفسه، وهاتان الكتيبتان قد اعتادتا الدوس على أحلام هذا الشعب منذ سنين..
فأجهزوا على أول حلم ديمقراطي لنا..وأغلقوا أول قوس فتحه لنا الحظ.. فارتكس الوطن كله في حمأة العسكر ورعونته، يتأوه من عناق الدبابة والبرلماني الخائن..! ورجع الجميع يندب حظا عاثرا.. ويبكي جرحا لا يندمل...
وتساءل المشفقون: أكلما لاح لهذا الوطن فجر حرية وعدل ، أسدل العسكر من دونه ستار انقلاب قبيح...؟!
ثم ماذا..؟ ثم كانت الشعارات الزائفة، والوعود الكاذبة، وقودا لحملات انتخابية خاطئة، فشرب الشعب من كأس الخداع التي أذيق من قبل ، فشرب عللا بعد نهل.. واغترفت النخبة وشيوخ القبائل وساسة الوهم من نهر السراب الذي لوح له بهم جنرالات السوء..
سرعان ما بدل الرجل "جلده" ، أو ثوبه، وترك البزة العسكرية، ولبس البذلة المدنية، لكنها بذلة ظاهرها المدنية وباطنها "العسكرة" بكل زركشاتها من الأحادية إلى الاستبداد والتحايل والتربح والفساد مرورا بالقمع والتنكيل و الإغلاق والتكميم.
أعلن الرجل الحرب على الفساد قبل أن نكتشف أن الفساد هو الذي كان يحارب الدولة بأجمعها، بثرواتها ومقدراتها... نعم الفساد نفسه، فالفساد ليس اسما مبهما ! الفساد هو : الرئيس والحكومة و الوزراء ورجال الأعمال النافذين، كانوا طوال هذه السنوات يحاربون الشعب حتى ظفروا بالثروات والصفقات، فتقاسموا الكعكة و خربوا الاقتصاد وتركوا الناس تشقى، وتجوع و تضحى.. وتظمأ وتعرى..!
- لاحديث اليوم عن تخطيط الكزرات وتوزيع القطع الأرضية على المواطنين،.. فقد كانت أكبر تلك القطع الأرضية من نصيب رجال الأعمال الفاسدين، وأصحاب النفوذ المقربين، والسابقين الأولين من المصفقين.. بينما تجلت انجازات هدم "الكزرات" على رؤوس ساكنيها... في مأساة "أحياء الترحيل"، والتي تعد مظهرا من مظاهر الفوضى والشتات ، حيث الفقر وغياب الخدمات...
لم نعد نسمع اليوم حديثا عن كل ذلك إلا حين نرى لافتة لحزب سياسي أو منظمة خيرية أو مجموعة من شباب الوطن، يقدمون الشراب للعطشى أو يوزعون كسوة الشتاء أو يطمعون بعض أولئك الجوعى الذين تركهم النظام فريسة لمصاعب الزمن..ولأواء الأيام
- كل المشاريع التي دشنت ووضعت لها أحجار الأساس، خلال هذه الفترة كانت مشاريعا عقيمة، لم تلد إلا الفشل والخيبة، تحول فيها حجر الأساس إلى أشبه ما يكون بالحجر الذي يوضع على القبر عند رأس الميت، وكأن لسان الحال يقول إنها مشاريع ولدت ميتة، فلا مصنع للجلود أقيم في ولاية النعمة، ولا المسجد الذي يسع 15 ألف مصل رأيناه مشيدا، ولا جسر مدريد أنجز، ولا مصنع السكر الذي وعد به أقيم، ولا تنمية أحدثت ولا عدالة اجتماعية وزعت،وإنما الغبن والغش والظلم والخداع..
-كان شعار محاربة الفساد ، طبلا مشبوحا، ومدويا تصم به آذان المعارضين لهذا الحكم العسكري المتفرد في شكله ونهجه وطبيعته..
كان هذا الشعار الذي يردد بشكل صاخب مع شعارات أخرى مثل:
- الأمل .
-التغيير البناء
-دعم الشباب
-رئيس الفقراء
لم تكن تلك الألقاب السابقة إلا كما قال الشاعر:
ألقاب مملكة في غير موضعها... كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد .
جاء الرجل بحركته التصحيحة ليقضي على الفقر وليحارب الفساد وليبني الدولة ويصلح التعليم كما يدعي.. ثم قضى المأمورية الأولى ولم ينجح في شيء من ذلك ...
ثم ها هي المأمورية الثانية تنتهي ولم يتحقق شي من ذلك، مشاريع وهمية وانجازات خاوية ..وقلق يعانق قلقا وحيرة في اثر خيبة... والوطن يزداد سوء..!
لم يكن حصاد هذه السنين العشر العجاف العجاب، سوى انتشار القبلية، والجهوية، واحتقان المجتمع، وانتشار الكراهية، والظلم والغبن، وغياب العدل.
نعم نحتاج لمأمورية ثالثة ورابعة لأن ما لم يتحقق في 10 سنوات سيتحقق في أربع أو في 8 أخرى حسب عقلية هؤلاء القوم المبتلون في أخلاقهم وعقولهم وتفكيرهم.
حسبنا الله سيكفينا ويكفي هذا الوطن وهذا الشعب باسهم وفسادهم وإجرامهم... الذي عم البلاد والعباد.. فلم ينتفع الناس بذهب ولاحديد ولاسمك ولا نحاس..!