إن على المعارضة أن تقف وقفة تأمل مع أكثر من ربع قرن من التشويه والإخفاقات والاختراق الأمني وتهافت الانتفاعيين وانحياز العسكر والإدارة وشيوخ القبائل ضدها, وتعلم أن الوقت لما يحن لتتسلم مقاليد السلطة عبر انتخابات شفافة ونزيهة.
عليها أن تقرر اليوم شكل مشاركتها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. فهل ستشارك لإحداث التغيير أم لتسجيل موقف.
فإن كان هدفها الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع في استحقاقات 2019, فالطريق ليس سالكا, بل هو مغلق بالدبابات وصناديق الذخيرة.
وإن كان الترشح للرئاسة هدفا لإيصال رسالة إلى الرأي العام تفيد بأن المعارضة لا تزال على قيد الحياة, وأن السلطة لا تفتأ تمارس هواية الهدم والتضليل, فتلك قصة أخرى.
فبحسب رأيي, المرشح للخطأ, لا يمكن للمعارضة إلا أن تسلك أحد طريقين في الانتخابات المقبلة لوضع أولى الخطوات على طريق التغيير, وليس التغيير بحد ذاته.
الطريق الأول يبدأ باعتبار أن البلد في حالة انزلاق خطير نحو الهاوية, وأنه لا سبيل لانتشاله فورا ووضعه على السكة الصحيحة, بل إن الوضع يتطلب تعاون جميع ركاب السفينة من معارضة وموالاة لإيقاف الانزلاق اولا, ثم لسحب البلد رويدا رويدا إلى الحافة سبيلا إلى إبعاده عنها ليطمئن الكل إلى نجاته.
هذه الخطوة تتطلب اعتبار المعارضة أن المرحلة المقبلة ليست مرحلة تناوب على السلطة ولا تغيير جذري, بل هي مرحلة يتم فيها نقل الانتخابات من تنافسية إلى استفتاء على قيادة مرحلة انتقالية.
وفي هذا الاتجاه يمكن للمعارضة أن تطعن في نزاهة وشفافية الظروف التي ستجرى فيها الانتخابات, فتفتح حوارا مع مرشح السلطة بهدف دعمه في “الاستفتاء” مقابل شروط حول إدارة الحملة وتشكيل الحكومة, فتبعد عن الرئيس المقبل بطانة الرئيس المنصرف, وتضع معه خلال مأموريته الأولى أسس تنظيم انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية تحترم أدنى المعايير المطلوبة لإحداث التناوب السلمي على السلطة.
أما الطريق الثاني, فيمر عبر اختيار المعارضة لمرشح مستقل يكون أقرب إلى الموالاة, لانتزاع ثقة المسؤولين والبرلمانيين الذين يطمحون للتغيير من الداخل حفاظا على مصالحهم التي يخشون عليها من سلطة تقودها معارضة ذاقت مرارة التهميش والحرمان على مدى 28 سنة, وربما غلبت عليها روح الانتقام والمحاسبة.
وفضلا عن كل ذلك, ورغم حرصي الشديد على إحداث تغيير حقيقي يمسح الطاولة ويعيد تأسيس الجمهورية على أسس صحيحة, فعلى المعارضة إدراك أن نجاح مرشحها في هذه المرحلة يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار البلد, لا لسبب كامن في المعارضة بل لتداعيات ذلك النجاح الذي سيشعر السلطة الحاكمة بخطر المساءلة والمحاسبة, وسيدفعها إلى التمسك بالحكم مهما كلف ذلك من ثمن.. وسيكون الثمن ضياع البلد وتبخر حلم التغيير, والتراجع عن المكتسبات الهزيلة التي تحققت على طريق الديمقراطية والحريات الفردية والجماعية.
فعلى قادة المعارضة إدراك أن بعض الظروف تفرض على العقلاء التنازل عن الحكم, فكيف بمن لا يمتلك غير حلم بالحكم تدفع كل المؤشرات إلى الاعتقاد بأنه لن يتحقق في الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
بقلم: سيدي محمد يونس
كاتب صحفي