لقاء ولد محم بقائد الأركان .. وامكانية تدخل الجيش لدفع الخطر

22 سبتمبر, 2019 - 08:27

في الحلقة السابعة عشر من حلقات “شاهد من الشعب” التي تدونها الاعلامي البارز العميد وأستاذ الأجيال محمد الحافظ ولد محم أحد رواد الصحافة في البلاد ، ومن المؤسسين الأوائل لجريدة الشعب التي شغل كل مناصبها التحريرية والادارية خلال مسيرته المهنية ، استعرض الاستاذ محمد الحافظ في هذه الحلقة التي تعيد “الصدى” نشرها تزامنا مع ذكرى انقلاب ولد الطايع سنة 1984م ، قصة لقاءه مع ولد الطايع :

شهدت سنة 1984 تدشين مقر التلفزيون الوطني بتمويل من دولة العراق الشقيقة، وانتظم خلال هذه السنة صدور جريدة “الشعب” العربية بعد توقف استمر حوالي سنتين، وبدت الأوضاع  السياسية في هذه السنة الأخيرة من سنوات حكم المقدم محمد خونا ولد هيدالة أكثر استقرارا مع أن العفو الشامل الذي أعلنه العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطائع حينما استولى على السلطة في 12/12/1984 شمل العشرات من السجناء السياسيين والمنفيين.

صفحة إسلامية يومية مدة سنة ونصف

حينما استأنفت العمل في جريدة “الشعب” منتصف سنة 1984 اختارت لي الإدارة الجديدة أن أبدأ بإعداد صفحة إسلامية يومية وذلك –حسب فهمي– لعدة اعتبارات:

– استحداث  صفحة جديدة أمر يتلاءم مع التوجه الرسمي المعلن لتطبيق الشريعة الإسلامية وهو مكسب للجريدة.

– اختبار الإدارة الجديدة لقدراتي الصحفية قبل أن أتولى رئاسة التحرير حيث أن من استطاع أن يعد صفحة إعدادا جيدا شكلا ومضمونا باستطاعته أن يعد جريدة بسهولة..

– الابتعاد بي عن الأمور السياسية حتى لا أحرجهم حيث أنني محسوب –حسب تصورهم- على تيار سياسي معين.

المهم أنه في عدد الـ 21 يوليو ظهرت أول صفحة إسلامية من إعدادي وشملت مقالا كتبته تحت عنوان: “لماذا صفحة إسلامية؟” وركن “نفحة” يكتبه الأستاذ حمدا ولد التاه وركن “مع المفتي” وأفتي في ذلك العدد المرحوم محمد يحي بن الشيخ الحسين.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها صفحة إسلامية بجريدة “الشعب” منذ انطلاقتها كيومية وطنية في فاتح يوليو 1975؛ فقد شهدت سنة 1977 ظهور صفحة إسلامية كتب في تروستها “كل جمعة – إن الدين عند الله الإسلام”.. ونشرت أولى صفحاتها الأسبوعية يوم 18 فبراير 1977 بقلم الأستاذ محمد بن الشيخ عبد الله الذي تناوب على إعدادها مع المرحوم محمدي بن خيري.. واستمرت حوالي سنة.

تميزت التجربة الجديدة للصفحة الإسلامية بكونها يومية بدل أسبوعية وبتركيزها على ركن “المفتي”، وكان الظرف العام مناسبا لهذه الصفحة في ذلك الوقت بعد الصحوة الإسلامية التي أعقبت ثورة السيد الخميني سنة 1979 وفي ظل تطبيق نظام المقدم محمد خونا ولد هيدالة للشريعة خاصة تنفيذه للحدود (من قتل، وقطع لليد، وجلد).. وبعد إنشاء المعهد الإسلامي لتحفيظ القرءان الكريم بتمويل من رابطة العالم الإسلامي في سنة 1979 وانطلاقة المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية في سنة 1980.

كل ذلك يجعل الظروف التي استحدثت فيها الصفحة الإسلامية اليومية في سنة 1984 أكثر ملائمة من الظروف التي نشرت فيها الصفحة الإسلامية الأسبوعية سنة 1977.

ومع ذلك لا يمكنني أن أنسى العتاب الذي وجهه لنا –كصحفيين المرحوم محمد سالم بن عدود الذي كان أول العلماء الذين قابلتهم في إطار هذه الصفحة الإسلامية.

قال المرحوم محمد سالم بن عدود في المقابلة التي نشرتها “الشعب” ابتداء من العدد الصادر يوم 15 أغشت 1984 قال فيه إنه يرى أن وسائل الإعلام الوطنية باردة العواطف اتجاه القضايا الإسلامية”.

واصلت إعداد الصفحة الإسلامية اليومية في النصف الثاني من سنة 1984 إلى جانب تحملي لمسؤولية رئيس التحرير، وشملت مقالات ومقابلات إلى جانب ركن “مع المفتي” الذي كان من أبرز أركان الصفحة.

 في هذه الفترة أجريت مقابلتين صحفيتين مع كل من المرحوم محمد سالم ولد عدود (نشرت الحلقة الأولى منها يوم 15-8-1984) والعلامة اباه بن عبد الله (نشرت الحلقة الأولى منها يوم 10-9-1984) ونشرت كل مقابلة على عدة حلقات إلى جانب تغذية ركن المفتي بفتوى واحدة يومية، وقابل أحد الزملاء الإمام بداه بن البصيري –رحمه الله– الذي أجابه على بعض أسئلة ركن المفتي فقط (نشر أولها في عدد 30-10-1984).

استمرت الصفحة الإسلامية في ظل النظام الجديد حوالي سنة وبدأ العد التنازلي لاختفائها على إثر ضجة كبيرة أثارها عرض كتاب في العقيدة نوفمبر 1985 (وذلك ما سنستعرضه بالتفصيل في حلقاتنا القادمة بإذن الله).

 

* انقلاب “القصر” والفرح بالعفو الشامل

 

في زوال الـ 12 دجمبر 1984 جرى ما لم يكن متوقعا قطعت الإذاعة الوطنية برامجها ليقرأ أحد أعضاء اللجنة العسكرية بيانا بالفرنسية يعلن فيه أن “اللجنة العسكرية للخلاص الوطني واستجابة للمصلحة العليا تعيد تنظيم نفسها.. ويصبح بذلك العقيد معاوية ولد سيدى أحمد الطائع رئيسا للجنة رئيسا للدولة.

وقع ذلك في الوقت الذي يوجد فيه المقدم محمد خونا ولد هيدالة في العاصمة البورندية بوجمبورا لحضور مؤتمر إفريقيا–فرنسا.

وصفت الصحافة الأجنبية هذا التغيير بأنه “انقلاب القصر” إشارة إلى أن من قام به هو أحد أركان الحكم القائم ومن التعليقات التي لم أنسها على هذا الانقلاب ما كتبه الصحفي الشهير المرحوم احمد بهاء الدين في عموده بجريدة “الشرق الأوسط” اللندنية تحت عنوان: “ولد من؟!” قال فيه إن مسلسل الانقلابات العسكرية في موريتانيا جاءنا بولد السالك، وولد…. وولد… فإلى متى تستمر “لعبة الكراسي” في هذه البلاد؟!! وعلق أحد حكمائنا على هذا الانقلاب وقت وقوعه قائلا: اسم معاوية اسم معروف في التاريخ الإسلامي إشارة إلى معاوية بن أبي سفيان مؤسس دولة الأمويين.

 

وتلقى السكان هذا التغيير بالفرح نظرا للعدد الكبير من السجناء السياسيين والمنفيين في ظل الحكم السابق، وبادر النظام الجديد إلى إصدار بيان بإيقاف الدعوى العمومية بحق (133) شخصا (الغريب أن الأول من هذه اللائحة هو المرحوم المختار ولد داداه أول رئيس للبلاد والثاني هو السيد المصطفى بن محمد السالك الذي قاد أول انقلاب عسكري).

وأعلن النظام الجديد كذلك عفوا شاملا عن المدانين لأسباب سياسية في الداخل والخارج، وقد خرجت في نواكشوط  مسيرة شعبية ضخمة تأييدا لهذا العفو الشامل.

 

لقاءاتي الصحفية مع قائد الأركان معاوية

 

العقيد معاوية ولد سيدي احمد الطائع الذي قاد انقلاب دجمبر 1984 هو شخصية معروفة في ذلك الوقت خاصة لدى الأوساط الإعلامية.. وسبق أن ذكرت في إحدى هذه الحلقات أن أول لقاء لي معه كان في فبراير 1976 حينما رافقناه في الرحلة إلى عين بنتيلى لتأبين المرحوم اسويدات ولد ودادي ورفاقه.

لقائي الثاني  مع السيد معاوية جرى وسط 1979 وهو إذ ذاك قائدا لأركان القوات المسلحة الوطنية.. أجرينا معه مقابلة صحفية للنشر بمناسبة الذكرى الأولى للعاشر يوليو.

وقد أجريت معه مقابلة صحفية أخرى في يوليو 1980 بوصفه  قائدا لأركان القوات المسلحة الوطنية كذلك، وقد قابلته بعد ذلك وهو قائد لأركان الدرك الوطني.

واكتشفت في هذا الرجل خلال مقابلاتي  الصحفية معه الرزانة والدقة وعمق التفكير والاعتزاز الشديد بمهنته وعظمة القوات المسلحة عنده؛ فالسيد معاوية ولد سيدي احمد الطائع هو أول عسكري سمعت منه تبريرا شبه مقنع لانقلاب العاشر يوليو 1978 وكنت قد قابلت قبله عددا من أعضاء اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني.. فقد قال لنا –معي بعض الزملاء من “الشعب” الفرنسية– إنه من  مسؤولية القوات المسلحة الوطنية أن تتدخل كل ما أحست بان الخطر يهدد كيان الوطن.. وفى العاشر يوليو كانت البلاد على حافة الانهيار.

 وليست هذه هي المرة الأولى التي يتدخل فيها الجيش لدفع الخطر، ففي سنة 1966 حينما اندلعت مواجهات عرقية تدخلت القوات المسلحة وسيطرت على الوضع وأعادت الحكم بعد ذلك للرئيس المدني.. ويضيف معاوية في حديثه الصحفي بعد مرور أقل من سنة  على انقلاب العاشر يوليو: إن الجيش الوطني سيعود إلى ثكناته ويسلم السلطة للمدنيين فور استتباب الوضع والاطمئنان إلى أن البلاد لم تعد في خطر.

ومما يبرهن على اعتزازه الشديد بمهنته أنه من ضمن الأسئلة التي طرحناها عليه كقائد لأركان القوات المسلحة سؤال ورد فيه إننا نلاحظ اتجاها إلى الثراء السريع لدى بعض ضباط الجيش منذ استيلائهم على السلطة، وأعطيناه الدليل بأنه توجد لدى بعض الضباط سيارات شخصية لا يملكها إلا الأثرياء في نواكشوط وسألناه كيف يبرر ذلك ؟.

هذا السؤال أثار غضب السيد معاوية وقبل أن يجيبنا عليه طلب منا عدم نشر جوابه والتزمنا له بذلك إلا أنه بعد مضي (35) سنة لم يعد هناك مبرر للتحفظ على هذا الجواب الذي أنشره اليوم اعتمادا على ذاكرتي.. قال لنا :

إنكم تظلمون ضباط الجيش الوطني وهذا لا يناسبكم كصحفيين وطنيين؛ فالجيش الوطني يوجد فيه اليوم حوالي (300) ضابط راتب الواحد منهم لا يتجاوز ثلاثة عشر ألف (13.000) أوقية، يوجدون في الثغور البعيدة ساهرين على أمن وسلامة الوطن وجل عيشهم الفستق والبسكويت.

هؤلاء هم من تحاولون تشويه سمعتهم بسبب تصرفات ثلة لا يتجاوز عددها عدد أصابع اليد الواحدة، لا ندرى من أين حصلت على ثروتها ربما عن طريق الإرث.

وكرر مرات أن هذا السؤال غير مناسب..

لم أقابل السيد معاوية ولد سيدي احمد الطائع منذ أن استولى على السلطة في الـ 12 دجمبر 1984 وإلى مغادرته لها في الـ 5 أغشت 2005 فلم أسع إلى مقابلته ولم تشركني معه ظروف عمل مباشر، وكنت من أول يوم أكن له التقدير، وأعتبره رجل دولة يتوفر على مؤهلات القائد الناجح، ولولا ذلك لما استطاع أن يحكم البلاد أكثر من عشرين سنة.

 

المصدر

 

 

 

 

 

 

اعلانات