الدكتور الشيخ ولد سيدي عبد الله أديب وناقد وأكاديمي موريتاني له إسهامات بارزة في المجال الثقافي والعلمي طوال العقدين الماضيين، نشرت له كتب، ودراسات، وأبحاث، في الأدب، والنقد ،وفي مجالات ثقافية متنوعة،
التقينا به، في موقع الإصلاح، للحديث عن الأدب الموريتاني، والدراسات النقدية، التي تناولته، وناقشنا معه، الأسئلة المرتبطة، بالمسألة الثقافية في موريتانيا، والنقاشات الدائرة بشأن اللغة والهوية .
موقع الإصلاح:
ما تقييمكم للأدب الموريتاني الحديث؛ بشقيه: الشعري، والنثري؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
شكرا على إتاحة هذه الفرصة، للحديث في المجالات الثقافية المختلفة؛ أساسا في الأدب، أناعتقد، ــ وسبق أن ذكرت ذلك ــ أن الساحة الشعرية أساسا، لا بأس بها، مقارنة بما كان في السابق، نظرا لوجود منابر مختلفة، ترعى هذه الساحة الشعرية، مثل: بيت الشعر، الذي يقيم ندوات شعرية أسبوعية، إضافة لأنشطته الأخرى؛ المتعلقة بالشعر دائما: سواء كانت: ندوات أو محاضرات أو حتى مهرجانه الذي يقيم، هذا إذا أضفنا إليه بعض الأنشطة المتواضعة، التي يقوم بها اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، رغم قلتها، أنا اعتقد، أن الساحة تكاد تكون أحسن من السابق، ضف إلى ذلك: وجود نوادي مختلفة للشباب، في مجال الأدب والثقافة والشعر.
بالنسبة للنثر: هناك أيضا حركة عادية، في مجال السرد ـ على الأقل ـ من حين لآخر؛ تظهر رواية ولكن ليس، مثل الحركة الشعرية، الموجودة الآن في موريتانيا.
موقع الإصلاح:
هل تخلصت القصيدة الموريتانية من السيمات لكلاسيكية؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
فيما يتعلق بلكلاسيكية، والقصيدة الموريتانية، أعتقد: أن الذائقة الموريتانية ذائقة اكلاسيكية، من حيث الشكل، أقول من حيث الشكل لماذا؟ لأنه: منذ المرحلة الشنقيطية إلى يومنا هذا، ظلت الذائقة الشنقيطية مرهونة بالنمط الخليلي، في كتابة النص الشعري، أي: القصيدة التناظرية العمودية المعروفة، فأصبح المتلقي الموريتاني، لا يرتاح أكثر إلا للقصيدة العمودية، رغم أن هناك محاولات قليلة، بدأت تحدث لتقبل نص التفعلة، ونص الشعر الحر، والنص النثري. إلا أن القصيدة لكلاسيكية، مازالت مسيطرة لذلك يلجأ الشعراء ــ حتى الحداثيون منهم والشباب ـ إلى استخدام هذا القالب الشعري، من أجل إيصال رسالتهم، لكنني أعتقد أن لكلاسيكية ليست شكلا، فأنت قد تأتي بالشكل ولكن يكون المضمون أكثر حداثة، وهذا ما نرى أن: الشباب بدأ ينتبه إليه، وهو أنك: تجد نصوص شعرية ،شبابية، مكتوبة بالغالب لكلاسيكي، ولكنها تفيض شعرية وحداثة، فيها نوع من: تفجير اللغة، والأخيلة الشعرية الحداثية النادرة، فيها نوع من: عدم الركون للصورة المادية، وحضور الصورة الجانحة المحلقة. لذلك أنا أعتقد أن لكلاسيكية ستظل كقالب هي: القصيدة المحببة لدى المتلقي الموريتاني؛ ولكن للشاعر الحق في أن يكون حداثيا داخل مضامينه، وهنا يتفاوت الشعراء.
موقع الإصلاح:
لو حدثتمونا عن النقد في موريتانيا: واقعه، و دوره في تطوير الأدب؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله :
موقف الموريتانيين من النقد، لا يكاد يبتعد كثيرا عن موقف الشناقطة من النقد؛ سبق وأن تحدثت عن ذلك، في كتابي نقد الشعر الفصيح عند الشناقطة، وأشرت إلى أن المحظرة الشنقيطية أيضا، لم تدرس النقد كمادة، كما درست البلاغة ،والنحو، والشعر إلى غير ذلك … فظل القوم ينظرون إلى النقد باعتباره: نوعا من نخل الآخر، واعتباره هجاء، ولذلك كانوا يبتعدون عن هذا المجال، هم يمارسون نوعا من النقد، ونحن هم من نحاول الآن أن نجعل من بعض الممارسات التي قام بها الشناقطة نقدا؛ وإن كانوا هم لا ينظرون إلى الأمر باعتباره نقدا، انظروا ،مثلا :إلى شرح الشيخ محمد اليدالي لقصيدته صلاة ربي مع السلام، فهذا نوع من النقد، والشيخ اليدالي لا يعتبره نقدا؛ هو فقط مجرد شرح لقصيدة . الآراء الانطباعية التي يقدمها بعضهم لبعض، مثل: ( أنت أشعر الناس، أنت أحسن الناس، هذا جميل…) هذه آراء نقدية، لكن القوم لا يصنفونها نقدا، هم يعتبرونها آراء عادية، فلن تجدوا مؤلفا شنقيطيا في مجال النق،د ولن تجدوا درسا في مجال النقد، حتى الكتب النقدية العربية التي صدرت، مثل: عيار الشعر لابن طباطبا، طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي، نقد الشعر لقدامة بن جعفر، العمدة لابن رشيق، إلى غيرها من الكتب… لا تجدها تدرس في المحظرة الشنقيطية ككتب نقدية، إنما يدخل النقد ضمن كتب الأمالي، التي كانت تدرس في المحظرة توجد فيها نتف نقدية، لكن الكتب المتمحضة في النقد لا تدرس في المحظرة الشنقيطية . أعتقد، أن هذا أيضا انسحب على موريتانيا الحديثة، فنحن اليوم نجد محاولات ضعيفة في مجال النقد، فنحن نمارس النقد ولكن نمارسه على نصوص أخرى، وأكثر ممارستنا على نصوص غير موريتانية؛ لأن الشاعر الموريتاني، أو المبدع الموريتاني لن يتقبل منك أن تنتقد نصه، نقدا على الأقل من الناحية السلبية، مع أن النقد فيه: الإيجابي، وفيه السلبي: فقولك: إن الشاعر وفق فأنت تمارس نقدا، وقولك: إن الشاعر أخفق فأنت تمارس نقدا، لذلك، نحن لا نقبل النقد في موريتانيا الحديثة اليوم ــ حتى الأساتذة الموجودين في الجامعة إذا انتقدت مؤلفا لأحدهم فأنت تفتح على نفسك بابا، وكأن الأمر يتعلق بمسألة شخصية أموجدة شخصيةــ لذلك، اعتقد أن: النقد عندنا مازال لم يصل بعد لمستوى النص الشعري، ولمستوى حتى النص السردي، فنحن نعتقد أنه مازال ضعيفا، ولما يصل للمرحلة التي وصل إليها النقد في بقية البلدان العربية.
موقع الإصلاح:
ما هي المدرسة التي تنتمون لها في النقد والشعر؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
شخصيا، لا أستطيع أن أصنف نفسي، فأنا معجب بالنقد البنيوي، والنقد النصي ككل، وأعتقد أن: النقد الثقافية الآن مغر بالممارسة. بالنسبة للمجال الشعري، لا أعتقد أن: لدي مدرسة؛ فقط ككل موريتاني، وكأي شاعر في مرحلة معينة، يتأثر الشاعر بشاعر آخر، أعتقد أنه في شبابي: كنت متأثرا بنزار قباني كثيرا، تأثرت أيضا ببعض الشعراء: الأخطل الصغير وغيره…، الآن، أنا مقل كثيرا في كتابة الشعر. ولكن أعتقد أنه: لا مدرسة معينة لي، إذا جاءتني فرصة لكتابة نص، أكتبه دون أن يكون في الذهن نمط شعري معين؛ على عكس ما كان في أيام الثانوية، والإعدادية، أيام كنت في المحاولات الأولى .
موقع الإصلاح:
كتابكم نقد الشعر الفصيح عند الشناقطة من أبرز الكتب الموريتانية في مجال النقد ما هي أبرز القضايا التي تناولتم فيه؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
هذا الكتاب، حاولت أن أرصد فيه كيف مارس الشناقطة النقد؟ يعني أنه: محاولة لوصف الممارسة النقدية عند الشناقطة. تحدثت فيه عن: نقد الشعر بالشعر وهذه ميزة شنقيطية، كيف كانوا ينقدون الشعر بالشعر، مثلا: عندك قصيدة الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا، العينية المعروفة:
يا معشر الشعراء هل من لوذعي …
ودالية المختار ولد حامدن :
مشت بيني وبين الشعر هند…
ونونية ابن شيبة الأنتابي:
فهذه كلها نصوص شعرية، لكنها في نفس الوقت نصوص نقدية، تمارس نقد الشعر، لذلك الشناقطة كانوا يمارسون النقد بالشعر، تحدثت عن هذا الجانب، تحدثت أيضا عن: جانب النقد بالشرح، كيف كانوا يقومون بشرح النصوص، ويبدون آراءهم فيها كممارسة نقدية، تحدثت عن: النقد الانطباعي عندهم، وهو النقد الذي تحدث عنه الأصمعي بقولته المشهورة : “أشعر الناس من أنت في شعره حتى تفرغ منه “، كان الشناقطة يمارسون مثل هذا النقد؛ عندما سئل ولد أرازكة من هو أشعر القبلة؟ قال لا أعرف، إلا أن قول القائل:
آيات طه ليست تباها ولا تناهى على الدوام
لا يباها، ولا قيل مثله في القبلة، إذن هذا رأي نقدي، كذلك، رأي محمد اليدالي نفسه في :شعر ابن رازكة عندما توجه على إمارة الشعر؛ في لاميته المشهورة، هذه الآراء وآراء أخرى كان يطلقها أساتذة المحاظر لطلابهم الذين يكتبون الشعر، تعتبر ممارسات نقدية. تحدثت أيضا عن: التأليف في مجال الأدب عند الشناقطة القداما، وتحدثت عن بعض الكتب التي لم تطبع بعد ومازالت مخطوطات. تحدثت عن حديثهم عن الضرورة الشعرية، وعن نقدهم البلاغي، وعن الصورة الشعرية وعلاقتها بالنص وعن أشياء كثيرة في هذا المجال، لذلك، الكتاب كان: محاولة لرصد الممارسة النقدية عند الشناقطة.
موقع الإصلاح:
كيف تنظرون إلى السرد الموريتاني، هل أصبح منافسا في الساحة الثقافية؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
لست متابعا جيدا للسرد الموريتاني، لكن أعتقد أنه: لما يصل بعد للمرحلة التي وصلت إليها القصيدة الموريتانية، من حيث: الاهتمام، والإنتاج، ولكن أعتقد أن: هناك علامات مبشرة لوجود حركة سردية موريتانية؛، خصوصا أن بعض الشعراء بدأ ينكب إلى كتابة السرد على العكس مما كان سائدا أصبح الآن لدينا شعراء في الوقت ساردون، يكتبون نصوصا سردية جديرة بالقراءة، لذلك، أستبشر خيرا بأنه ربما تكون هناك حركة مستقبلية في مجال السرد؛ خصوصا أن هناك تيمات كثيرة: البيئة، والثقافة والتاريخ الموريتاني، كلها مازالت عذراء بالنسبة للرواية والسرد؛ حتى وإن تنوِّلت في الشعر، ولكنها مازالت عذراء، بالنسبة للروائيين والساردين الذين يستطيعوا أن يستخدموا هذه التيمات داخل نصوصهم السردية.
موقع الإصلاح:
بصفتكم الإشرافية على مؤتمر اللغة العربية في إفريقيا، ما هي انطباعاتكم عن هذا المؤتمر، وما أبرز ما لفت انتباهكم خلال فعالياته؟
الدكتور الشيخ سيدي عبد الله:
بالنسبة للمؤتمر: أنا أستبشر خيرا بنجاحه ،لأنه الحمد لله نجح ،ووصلتنا التهاني من كل الجهات، حتى الذين كتبوا عنه وتناولوه، كان مؤتمرا ناجحا، أهم ما فيه بالنسبة لي أنه: أعاد لموريتانيا صورتها المعهودة عند الأفارقة؛ وهي أنها بلد إشعاع ثقافي، وهي بلد اللغة العربية وبلد الثقافة، التي حملت إلى إفريقيا عن طريق الشناقطة، سواء كانوا: شناقطة الحج، أوشناقطة التجارة، أو شناقطة السكناء إلى غير ذلك… فنحن نعتقد أن هذا: مجرد لبنة من لبنات إعادة الدور الذي كانت تلعبه موريتانيا، في مرحلة معينة أبرز ما أثار انتباهي هو: تغلغل اللغة العربية في إفريقيا؛ فكما أقول دائما ليس غريبا أن يأتيك سينغالي يتكلم العربية، أو مالي يتكلم العربية، ولكن الغريب أن يأتيك رجل من روندا يقدم محاضرة باللغة العربية! ومن الغريب أيضا أن يأتيك أحد من أوغندا ويقدم محاضرة باللغة العربية، وعن تغلغل اللغة العربية في القرن الإفريقي، أعتقد أن هذا: كان من مفاجئات المؤتمر، ومن الأمور التي أثارت انتباهي فيه .
نقلا عن موقع الإصلاح