تابعت مؤخرا جانبا من الجلسة البرلمانية المخصصة لمناقشة الامر القانوني الذي يسمح للحكومة باتخاذ ما يلزم لمكافحة جائحة كورونا .
لست بطبيعة الحال متابعا وفيا لقناة البرلمانية ولا لنقاشات برلمانيي رعاة الماعز الا ان اكراهات حظر التجول تذهب بك كل مذهب وتعودك ما لم تعود :
ستبدي لك الايام ما كنت جاهلا
وياتيك بالاخبار من لم تزود
وياتيك بالاخبار من لم تبع له بتاتا
ولم تضرب له كف موعد .
حدث ما حدث وتابعت الجلسة . وليتني لم افعل .
ضمت القاعة اضافة الي الوزير ومعاونيه عددا هزيلا من النواب( الموقرين) وقد خيم عليها صمت بائس لا يقطعه الا صوت تيسهم متلعثما بعبارتين رتيبتين يرددهما بين الفينة والاخري : شكرا للنائب (الموقر) فلان والكلام للنائب( الموقر) علان .
ينهض علي اثر ذلك شخص شاحب ضئيل الحجم في زيه المزركش : خرقة من القماش تلف الراس والعنق وشيئا من الوجه .
واخري فضفاضة تلف سائر الجسم .
انه التجسيد الحي للصورة النمطية المألوفة لراعي الماعز مع القليل من الاستثناءات قد يسوغها حشر الجميع في منشأة خرسانية :
1-- عصي ايميجيج المألوفة علي الكتفين وخلف العنق وقد تدلي من احد طرفيها نعلان رثتان من جلد البعير .
2-- عفة وبراءة راعي الماعز في فضائه الرحب قبل ان يحشر بين جدران الاسمنت المسلح :
أُسيرها بين اصنام اشاهدها @ ولا اشاهد فيها عفة الصنم .
3--دفء وعذوبة صوت راعي الماعز التقليدي النابع من صدقه وعفويته فلو انه سمع اصوات رعاة الماعز الجدد لفضل ان يسمع صوت الذئاب ولانشد :
عوي الذئب فاستانست بالذئب اذ عوي وصوت انسان فكدت اطير .
بم ينعق هاؤلاء ؟ احقا مااسمع ؟ احقا ان هاؤلاء( الموقرون) هم نوابنا، هم ممثلونا ؟ هاؤلاء الرجال ضلوا طريقهم حتما .
مكانهم ليس هنا . مكانهم حيث قطعان الماعز وعصي ايميجيج والنعال الرثة من جلد البعير .
ليس التشابه بل التطابق في الهيئة والنواحي الشكلية فحسب وانما من حيث الخطاب اسلوبا وفكرا ومنهجا . فبينما يرجّع راعي الماعز في اغلب اوقاته مقاطع زجلية بسيطة من مثل : يا ميتاره دكَي تاره فلحماره......
يطرد بها الملل ويتزود منها بشيء من المتعة والسلوي ، يردد النائب راعي الماعز ( الموقر) اغنية واحدة مشروخة من مثل : نرحب بمعالي الوزير والطاقم المرافق له . ونشيد بانجازات صاحب الفخامة ووزيره الأول وحكومته .
كلاهما يردد اغنيته . وكلي الاغنيتين تمثل استجابة لحاجات محددة . فراعي الماعز كما اسلفنا يرددها للتسلية وطرد الملل .
اما النائب راعي الماعز ( الموقر) فيرددها بهذه الصيغة تحديدا وبلا ملل او كلل بين يدي حاجة شخصية سيطلبها لاحقا من (معالي الوزير) ولاستدرار عطف (صاحب الفخامة) للقبول في سرادق الذين اُنعم عليهم من الموالاة طمعا في نيل نصيب من المنافع وشيء من التعيينات وامل اعادة الترشيح في قادم الانتخابات .
فرق بين رعاة البقر ورعاة الماعز . فرعاة البقر عادة ينتجعون الاماكن الرطبة حول الانهار وغيرها من المسطحات المائية ، مما يوفر استقرارا نسبيا يؤمل معه تخفيف وطأة البداوة والانهدام الحضاري التام .
عكس رعاة الماعز المجبولون بالفطرة علي الترحال وانتجاع كل قفر تذروه الرياح .
السادة رعاة الماعز ( الموقرون) . انتم موقرون فعلا كما يحلو لتيسكم ان يقول .
موقرون لانكم موالاة ومعارضة لا تفهمون معني الموالاة ولا معني المعارضة .
موقرون لانكم جميعا لستم موالاة ولا معارضة . فانتم موالون في كل الازمنة ولكل الانظمة ما دام بصيص للكسب . ومعارضون اذا ما الكسب ضاق .
مجرد رعاة ماعز غشي قطعانكم من المحل ما غشيها فامتهنتم لعبة( يا اغنيمتي ماه ماه) .
وفجاة ووسط اهازيج ومدائح رعاة الماعز يمكن تمييز صوتين نشازين : الاستاذ الخليل النحوي والدكتور ول عيه .
الاول بنفس السمات الخارجية لرعاة الماعز . والتاني بسمات اهل المدينة .
وكانت لحظة الهام فارقة . ادركت ان المعرفة والثقافة هما جوهر المسالة . ادركت ان نوابنا الموقرين استمروا يتصرفون كرعاة ماعز لانهم ببساطة جهال غير متعلمين
هذان النائبان الموقران فعلا وليس كما يوزع التيس بصفة مجانية ورغم تباين الزي والمظهر خاطبا زملاءهم ومنتخبيهم ومواطنيهم باسلوب يؤسس لطرح مفاهيمي غير مؤذ للاذن ولا للعقل . بل احترموا ذواتهم قبل كل شيء .
نصيحة صغيرة اوسوس بها في اذن المواطن :
لا تنتخب الجهال من فضلك لانهم رعاة ماعز .
انتم في نظرهم والبلد كله مجرد شاة حلوب يعصرون ضرعها غير مشفقين علي الصغار :
فارسلها العراك ولم يذدها
ولم يشفق على نغص الدخال
سادتي النواب (الموقرون) رعاة الماعز عودوا الي حيث تنتمون . حيث قطعان الماعز وعصي ايميجيج والنعال الرثة من جلد البعير
. سادتي النواب( الموقرون) رعاة الماعز انتم موقرون جدا لانكم لا تحسنون سوي الحلاب والصر .
رب اغفر لقومي فانهم لا يعلمون .
م . ي . ج . ش