
باريس- “القدس العربي”:
في مقال بصحيفة ‘‘لوموند’’ الفرنسية تحت عنوان “المناطق الغامضة في الجزائر لوفاة عبد المالك دروكدال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، تساءل جان بيير فيليو، المؤرخ والأستاذ الجامعي الفرنسي، “كيف عبر الجهادي الأول في شمال إفريقيا مسافة ألفي كيلومتر من الأراضي الجزائرية قبل أن تقتله فرنسا في مالي؟”.
وقال الكاتب إن السلطات الجزائرية التزمت منذ فترة الصمت وبشكل ملحوظ بشأن مقتل الجزائري عبد المالك دروكدال زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في 3 يونيو / حزيران على يد القوات الفرنسية في أقصى شمال مالي، على مسافة ليست بعيدة عن الحدود مع الجزائر. فقد انتظرت الجزائر ستة أيام على اعلان باريس عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، قبل أن يضع المتحدث باسم رئاستها اختفاء دروكدال ‘‘في سياق قتال المجتمع الدولي ضد الإرهاب’’.
ورأى فيليو أنه من الواضح أن تهنئة الجيش الجزائري لنظيره الفرنسي على قضائه على أخطر جهادي جزائري تبدو أمراً صعباً بالنسبة للجزائريين، الذين يطاردونه في الجزائر منذ 27 عاماً دون جدوى وحكموا عليه بالإعدام غيابياً خمس مرات، معتبراً أن إحراج القادة الجزائريين يعد أعمق ويحمل سلسلة من التساؤلات، وهي:
كيف استطاع دروكدال عبور الجزائر من الشمال إلى الجنوب على مدار عقدين؟ ثم كيف تمكن هذا الرجل الذي يعد العدو الأول لقوات الأمن الجزائرية من عبور قرابة ألفي كيلومتر حتى يصل إلى مالي؟ وكيف استطاع تفادي نقاط التفتيش والضوابط في هذه المنطقة المتقلبة؟ وما هي المساعدة التي حصل عليها من حيث المعدات اللوجستية والنقل والتي مكنته من عبور هذه المسافة الطويلة؟ كيف يمكن أخيراً عبور الحدود مع مالي التي من المفترض أن الجيش الجزائري يراقبها بأقصى قدر من الحذر لتجنب تسلل الجهاديين إلى أراضيه؟
وقال المؤرخ الفرنسي إنه يُمكن فهم أن الجزائر الرسمية لم تكن ترغب في الرد على مقتل دروكدال، تاركة كل الأسئلة سالفة الذكر دون أدنى بداية للإجابة. من ناحية أخرى، من المؤكد أن وصول زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى مالي يندرج ضمن تاريخ طويل جدا لنقل الجهاديين الجزائريين إلى هذا البلد، حيث ساهموا بشكل كبير في تطوير الشبكات الإرهابية، قبل توسيعها في جميع المنطقة، حسب زعم الصحيفة.
هذه العملية، التي تسارعت في عام 2007 مع تأسيس تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، استندت بعد ذلك إلى اثنين من القادة التابعين لدروكدال في المنطقة، هما: مختار بلمولختار، وعبد الحميد أبو زيد. وتم ذلك، بوقت طويل، قبل سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، والذي يُنسب إليه ولادة التهديد الجهادي في منطقة الساحل في كثير من الأحيان. وتم القضاء على هؤلاء الجهاديين الجزائريين الذين زرعوا الرعب في الساحل من قبل فرنسا.
ومضى جان بيير فيليو إلى القول إن صمت المسؤولين الجزائريين حِيال مقتل عبد المالك دروكدال يجدد التساؤلات حول الحماية التي يحظى بها المالي إياد أغ غالي، أقوى الجهاديين في منطقة الساحل وقائد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تشكلت عام 2017 بعد تشكيل تحالف بين كلّ من جماعة أنصار الدين التي أسسها هو نفسه عام 2012، وكتيبة ماسينا التي أسسها محمد كوفا عام 2015، ثم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الذي كان يقوده عبد الملك دروكدال.
كما اعتبر الكاتب أن الأسباب التي دفعت دروكدال إلى مغادرة معقله في منطقة القبائل الجزائرية إلى مالي ما تزال غير واضحة.
وخلص المؤرخ والأستاذ الجامعي الفرنسي جان بيير فيليو مقاله في صحيفة ‘‘لوموند’’ بالقول إن قضاء فرنسا على الجهادي الجزائري الخطير عبد المالك دروكدال في مالي يمكن أن يؤدي إلى تداعيات غير متوقعة تفكك آخر أوكار الإرهاب في جبال الجزائر. هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة.