في مساء العاشر من يونيو عام 2020، هبطت طائرة نقل رمادية على مدرجات مطار العاصمة الموريتانية نواكشوط الذي غمره الغبار لفترة طويلة، وبدا العلم الأحمر ذو النجوم الخمس على جسم الطائرة ساطعا تحت أشعة الشمس المشرقة. وتعتبر هذه أول رحلة صينية لموريتانيا منذ أن تأسست العلاقات الصينية- الموريتانية قبل 55 عاما. جاءت الطائرة محملة بأول دفعة مساعدات طبية مقدمة من الحكومة الصينية منذ تفشي وباء كوفيد- 19، وهي الدفعة الخامسة عشرة والأكبر من التبرعات الصينية لموريتانيا.
الصداقة الحقيقية لا تعرف المسافات. تقع موريتانيا في الطرف الشمالي الغربي لقارة أفريقيا، وعلى الرغم من أنها تبعد عن الصين بآلاف الأميال، فإن الصداقة الوطيدة لا تفرقها المسافات. إن البلدين والشعبين متشابهان في الفكر وشريكان ملتزمان بمبدأ المساواة والمنفعة المتبادلة، وهم إخوة يقفوا بجانب بعضهم البعض في المآزق. ويتزامن هذا العام مع الذكرى السنوية الخامسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية- الموريتانية، ومن أجل مواجهة فيروس كورونا الجديد، هذه الأزمة الصحية العالمية المفاجئة، قام البلدان بالتعاون لمكافحة الوباء ودعم بعضهما البعض معنويا وماديا، وأظهر هذا الاختبار الجديد مدى استقرار وثبات العلاقة بين الصين وموريتانيا والمنفعة المتبادلة بينهما، مما يوضح معاني كلمات الرئيس الصيني شي جين بينغ الهامة التي ألقاها في قمة مجموعة العشرين، ومؤتمر منظمة الصحة العالمية وقمة التضامن بين الصين وأفريقيا لمكافحة الوباء، ويزيد حيوية بناء رابطة المصير المشترك بين الصين وأفريقيا، وبين الصين والبلدان العربية.
الوباء لا يرحم ولكن الإنسان رحيم. فقد قال الرئيس شي جين بينغ في كلمته في قمة الصين- أفريقيا الاستثنائية بشأن التضامن لمواجهة كوفيد- 19: "في أصعب أوقات الصين في مكافحتها للوباء، أرسلت أفريقيا لنا مساعدات ثمينة، ولن ننسى ذلك أبدا، والآن بعد تفشي الوباء في الدول الأفريقية، تتخذ الصين زمام المبادرة في دعمها، وتقف بحزم مع الشعوب الأفريقية." في أوائل فبراير من العام الجاري، أرسل الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني خطاب مواساة للرئيس الصيني شي جين بينغ عقب تفشي الوباء مباشرة، وأشاد بإجراءات الوقاية ومكافحة الوباء التي اتخذتها الحكومة الصينية. وقد شكره الرئيس الصيني على الفور، وأعرب عن رغبة الصين في التضامن مع موريتانيا لتعزيز وتطوير العلاقات الودية بين البلدين. واتصل عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي بنظيره الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، مؤكدا أن الصين ستدعم موريتانيا بقوة في مكافحة الوباء حتى تعلن انتصارها عليه. وأصبحت عبارات "كلنا معا في نفس القارب، نتكاتف لمساعدة بعضنا البعض، الوحدة، والتغلب على المصاعب معا" كلمات يرددها قادة البلدين، وهي أيضا صورة حقيقية لتعاون البلدين في مكافحة الوباء، وتعكس علاقة الصداقة الوطيدة بينهما.
جاء في ((كتاب الأغاني)) الصيني التقليدي: "إذا أعطيتني ثمرة السفرجل، فسأرد لك جميلك باليشم". في أصعب أوقات انتشار الوباء في الصين، قدم الأصدقاء الموريتانيون من جميع مناحي الحياة المساعدات للصين، كما نظموا أنشطة مختلفة للتضامن مع الصين، حيث ترددت عبارات مثل "تشجعي يا ووهان، تشجعي وكوني قوية يا الصين، تحيا الصداقة الصينية- الموريتانية"على منصات وسائل الإعلام المحلية. وفي الآونة الأخيرة، عندما انتشر الوباء بشكل كبير في موريتانيا، قام الجانب الصيني من حكومات على المستويات المختلفة ومؤسسات تجارية ومغتربين صينيين وسفارة الصين بموريتانيا بالتبرع بخمس عشرة دفعة من المواد اللازمة لمكافحة الوباء. بما في ذلك كواشف فحص الأحماض النووية، والأقنعة المختلفة، والملابس والنظارات الواقية، والملابس والنظارات الواقية والأجهزة الطبية وماكينات الخياطة والمواد الغذائية وغيرها، بإجمالي أكثر من 60 طنا. كما تغلبت المؤسسات الصينية على الصعوبات لإنهاء بناء ثلاثة مشروعات قبل الفترة المحددة، منها بناية عيادة الأمراض المعدية المتخصصة، وسلمتها بشكل عاجل للجانب الموريتاني، لتوفر بذلك القدرة للجانب الموريتاني لمكافحة الوباء والتخفيف منه وتحسين معيشة الشعب. كما أجرى الخبراء الصينيون اتصالات بنظائرهم الموريتانيين عبر شبكة الإنترنت لتقاسم خبراتهم في مكافحة الوباء. وقد أعرب الرئيس محمد ولد الغزواني في خطابه المكتوب، في مراسم افتتاح مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية، عن شكره وامتنانه الشديد للصين لتبرعها لهم بمستلزمات مكافحة الوباء.
هناك مثل طويل يقول: "إذا كنتما ذوي مطامح وميول مشتركة، فلن يشعر أي منكما بأنه بعيد عن الآخر." إن الحكومة الصينية والحكومة الموريتانية توليان الأولوية لمفهوم ومبدأ الشعب والحياة أولا، وتوليان أهمية كبيرة لرعاية ومساعدة الفئات الضعيفة. ويقف البلدان موقفا موضوعيا عادلا علميا ضد الوباء، ويدعمان العثور على مصدر الوباء وطرق انتشاره عن طريق البحث العلمي، ويعارضان بقوة تسييس الوباء ووصم مكان ما به. ويتفق البلدان أن الوحدة والتعاون هما السلاح الأكثر فائدة لمكافحة الوباء، ويؤمنان بدور التعددية، ويدعمان بقوة دور منظمة الصحة العالمية في التعاون العالمي لمكافحة الوباء.
في الوقت الحالي، لا يزال الوباء يجتاح قارة أفريقيا، وموريتانيا التي انتشر المرض فيها في وقت متأخر تمر بفترة ارتفاع سريع في معدلات العدوى، وتبذل الحكومة الموريتانية والشعب الموريتاني جهودا كبيرة لمكافحة الوباء. وفي هذا الوقت الحرج، دعا الرئيس شي جين بينغ لعقد قمة الصين- أفريقيا الاستثنائية بشأن التضامن لمواجهة كوفيد- 19، وقدم سلسلة من الاقتراحات الهامة بشأن تعزيز التعاون الصيني- الأفريقي وتعميق الصداقة وتعزيز العلاقات الصينية- الأفريقية. وقد أثارت المبادرات التي أعلن عنها الرئيس الصيني ردود أفعال قوية في جميع القطاعات الموريتانية، خاصة إعفاء دول أفريقية من سداد قروض مستحقة، والتعهد بأن تكون الدول الأفريقية من أوائل المستفدين من اللقاح الصيني لفيروس كورونا الجديد فور الانتهاء من تطويره واستخدامه. وأشاد وزير خارجية موريتانيا إسماعيل ولد الشيخ أحمد برؤية الرئيس شي جين بينغ حول الشؤون العالمية، ويرى إمكانية تفعيل تلك المبادرات والتي ستساعد بدورها بشكل كبير في تعزيز وتوطيد العلاقات الصينية- الموريتانية والتعاون الصيني- الأفريقي.
إن الصين على استعداد للعمل مع الجانب الموريتاني لاتباع التوجيه الذي أشار إليه زعيما البلدين لتنمية العلاقات الثنائية، وتنفيذ نتائج القمة بفعالية، والاستفادة من عوائد القمة، والعمل يدا بيد دون كلل لمكافحة الوباء، ومواصلة تعزيز المساعدات المادية وتبادل الخبرات، وتعزيز بناء مجتمع صحي مشترك بين الصين وأفريقيا، وتعزيز التعاون المتبادل المنفعة بينهما، وتركيز التعاون على مجالات الصحة واستئناف العمل والإنتاج وتحسين معيشة الشعب، وتعزيز ممارسة التعددية، وعقد مؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية والدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، ودعم الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لمواصلة دورها القيادي في العمل العالمي لمكافحة الوباء، ومواصلة تعزيز علاقة الصداقة التقليدية بين البلدين، ودعم بعضهما البعض في مسائل المصالح والشواغل الأساسية الهامة، والعمل على تنظيم نشاط الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وموريتانيا، وتعزيز التعاون البرلماني والمحلي بينهما.
يتكون التاريخ من تراكم اللحظات الراهنة، وسيترك التعاون الحالي لمكافحة الوباء دون شك فصلا لا يمحى في تاريخ العلاقات الصينية- الموريتانية. أؤمن أن التصميم على التكاتف في وقت الشدة ومساعدة بعضنا البعض والتعزيز المستمر للوحدة والتعاون بيننا، سيمكننا بالتأكيد من التغلب على الوباء تماما. ومن المؤكد أن العلاقات الصينية- الموريتانية الطويلة الأمد سوف تستهل آفاق تنمية جديدة تفيد البلدين والشعبين.
--