تعتبر العروبة أحد المقومات الثلاثة للهوية الوطنية الموريتانية، حيث تنُص ديباجة دستور 21 يوليو 1991 المعدل في السنوات 2006 و 2012 و 2017 على أن الشعب الموريتاني" شعب مسلم عربي إفريقي"، وليس توسط المقوم العربي هنا للمقومات الثلاثة اعتباطا؛ بل هو توصيف واستنطاق لمعطيات التاريخ، باعتبار أن اللغة العربية هي وعاء للمقومين الآخرين: فهي لغة الإسلام (وحيا وفقها وسلطانا)، كما أنها لغة إفريقيا المسلمة قبل أن يغزوها الاستعمار..ويذكر الشيخ باي انياس رحمه الله أنه قام برحلة منتصف القرن الماضي، انتقل فيها من السنغال بغرب إفريقيا إلى الصين بأقصى الشرق، فما حل ببلد إلا وجد فيه من يكلمه "بعربية فصيحة بليغة ويحييه بتحية الإسلام". ولأن المستعمر الفرنسي يعرف ما للغة، أي لغة، من دور في المحافظة على هوية الشعوب ومقاومة الغزاة، فقد قام منذ وصوله إلى هذه الأرض بمحاربة اللغة العربية وتسفيه دارسيها، إلى درجة وصف العلامة محمد عالي ولد عدود - تغمده الله برحمته- ب"الأمي"، حسب ما سجل على وثيقة سفره. واليوم، وبعد 60 سنة من الاستقلال الوطني ما تزال المسألة اللغوية أهم قضية وطنية مطروحة للنقاش بسبب الاستبداد الذي تمارسه اللغة الفرنسية على اللغات الوطنية مجتمعة في وكر دارها، رغم عدم وجود أي غطاء قانوني لهذه الممارسة، مما حدا ببعض الأطر الوطنية إلى طرح مبادرة شعبية لتفعيل المادة السادسة من الدستور التي تنص على أن "اللغات الوطنية هي العربية والسوننكية والولفية، اللغة الرسمية هي العربية"، وذلك من اجل الحد من هيمنة اللغة الفرنسية في مختلف مجالات الحياة وتعزيز مكانة لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية الأخرى وتجاوبا مع هذه الخطوة الميمونة، ومباركة لها، فإني أعلن دعمي لهذه المبادرة الشعبية وأطالب السلطات الوطنية بإنشاء مجلس أعلى للغة العربية وإصدار قانون يتضمن تعميم استخدام اللغة العربية، باعتبارها لسان الشعب الموريتاني، وصورته المشرقة، ووجهه الناصع؛ فمنذ أن بسط الإسلام نوره على أديم هذه الأرض الطيبة تعانق العرب والأفارقة وشيدوا تاريخا مشتركا حافلا بالأمجاد، قوامه وشائج الدم والقربى وخدمة الإسلام جهادا وفقها وتصوفا. لذا أعتقد جازما أن استعمال اللغة العربية في هذا الظرف بالذات يجسد مظهرا من مظاهر السيادة الوطنية، وأن المساس بها أو بمكانتها يعتبر إخلالا بالنظام العام وتهديدا للأمن الوطني، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء هذا المجلس وإصدار هذا القانون سعيا إلى تثمين المشترك وصيانة الهوية الوطنية المهددة من خلال وضع آلية وطنية لتعميم استخدام اللغة العربية وترقيتها وحمايتها.
د. صدفي ولد السخاوي