الصحراء الغربية: وقفة مع الذاكرة/ الشيخ ماء العينين الشيخ الكبير

17 يناير, 2021 - 18:27

 تنقضي سنة ٢٠٢٠ وتبدأ سنة ٢٠٢١ والشعب الصحراوي البطل يجتاز مرحلة متقدمة من كفاحه الوطني طبعتها جملة من التحديات الداخلية والخارجية ..استطاع التغلب عليها بعون الله و بفضل وحدته وصموده واستعداده لرفع التحدي وأيضا بفضل حنكة وتجربة طليعته السياسية ورائدة كفاحه البطولي الجبهة الشعبية _لتحرير_ الساقية الحمراء ووادي الذهب .. و التفافه حولها كممثله الشرعي والوحيد. لقد مرت تسعة وعشرون حولا على اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته القيادة الصحراوية مع المملكة المغربية تمهيدا لتنظيم استفتاء تقرير المصير الذي أقره المنتظم الدولي ووافق عليه الطرفان ضمن مخطط التسوية الشامل الذي تقدمت به الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية وتم الشروع في تنفيذه ١٩٩١، إلا أنه بعد تأكد النظام المغربي من خسارته في الإستفتاء نتيجة تشبث الشعب الصحراوي الواضح بخيار الإستقلال الوطني .. فقد أخذ النظام المغربي يراوغ ويناور بتنسيق مع قوى استعمارية أخرى معروفة بعدائها للحق وحرية الشعوب من أجل عرقلة مسار الحل المبني أصلا على أساس تصفية الأستعمار وتطبيق حق تقرير المصير . هذان المبدءان الذان ضحت من أجلهما شعوب العالم وتأسست هيئات ومنظمات دولية كلفت ولا زالت تكلف المجتمع الدولي مجهودات كبيرة وتضحيات جساما ، ورغم الخلل الواضح والأنحراف البين الذي يطبع النظام العالمي الحالي فإن المبادئ الانسانيةوالحقوقية التي أسس عليها تستوجب من جميع مكونات المجتمع البشري احترامها والحفاظ عليها ..لاسيما عندما يتعلق الأمر بالحقوق الأساسية أو بالكليات التي أجمعت عليها الشرائع السماوية . إننا نأسف كثيرا للشعب المغربي الشقيق والجار الذي فرض عليه نظام المخزن الموبوء بحب التوسع والعدوان أن يصبح شريكا في ارتكاب الجرائم البشعة ضد الإنسانية وضرب عرض الحائط بأنبل وأقدس المبادئ والقيم التي عرفتها البشرية على مر التاريخ ، ناهيك عن حق الأخوة والجوار الذين لم يعرهما نظام المخزن أي اعتبار عندما غزى واحتل ظلما وعدوانا وطن شعب شقيق وجار كان ينتظر منه الدعم والمؤازرة في معركته التحريرية ضد الاستعمار ، لاكنه عكس المتوقع تمادى في الغطرسة وانتهاك الحقوق الانسانية بأفظع وأقذر أسلوب لم تعرف البشرية له مثيلا ..كل ذلك في حق شعب تعترف كل المواثيق والقوانين والأعراف بحقه في الحرية وتقرير المصير. إننا نربأ بالشقيق المغربي أن يظل أداة طيعة في يد نظام لا يحترم إرادة ولا مشاعر مواطني بلده ، ولم يكتف بما ارتكبه ضد الأشقاء والجيران من شعوب المنطقة المغاربية ، والذي لن نتطرق إلى تفاصيله رغم احتياج الأجيال الناشئة وقلة من المثقفين والسياسيين إلى مراجعة تلك المواقف و الأحداث المؤسفة . بل نرى النظام المغربي اليوم يتوج مسلسل خياناته للعرب والمسلمين على العموم بمقايضة قضية الشعب الفلسطيني الشقيق بمجرد تغريدة ظالمة وغير ذات جدوى لرئيس منتهية ولايته ولا يخدم إعلانه الغير القانوني حتى مصلحة بلده الذي سفهه على فعلته وانتقده جل حكمائه وقادة رأيه .. ذلك لأن هذ الموقف الذي انفرد باتخاذه ترامب صاحب الصفقات المشبوهة والجائرة موقف يحرج الو لايات المتحدة نفسها و يفقدها مكانتها ودورها كعضو فاعل ورائد في السياسة الدولية ويقحمها في مواجهة مباشرة مع القوانين والمشروعية الدولية، كما أكدت على ذلك أولى ردات فعل الأمم المتحدة على لسان أمينها العام وصرح به الممثلون السابقون للأمم المتحدة حول القضية الصحراوية والعديد من الزعماء والدول والمنظمات عبر العالم . وما الحادثة المشينة التي شهدها مبنى الكابتول مؤخرا إلا شاهد حي على ذلك ودلالة واضحة على خيبة أمل من اعتبروا ترامب منقذا وعلقوا عليه الأمل . ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض الحقائق التي هي في مجملها من البديهيات ولاكن فقط للتذكير : أن صاحب الكلمة الفصل هو وحده الشعب الصحراوي عندما يتعلق الأمر بسيادته على أرضه وهو الذي له الحق المطلق في التصرف فيها وستظل خطا أحمر غير قابل للمساومة ولا حتى للمفاوضة اوالنقاش . فليس هناك على وجه البسيطة من يحق له التصرف في حق من حقوق هذ الشعب التي ضحى من أجلها ولازال وسيظل يضحي بأجل وأنفس ما يملك حتى يتم بسط سيادته على كامل ترابه الوطني. أن القضية الصحراوية ليست معقدة كما يدعي البعض لتبرير موقف متخاذل .. فهي واضحة وضوح الشمس لأنها قضية تصفية استعمار وقضية حق تقرير مصير شعب تكفله له الشرائع والقوانين والمواثيق الدولية .. اي ببساطة شعب احتلت أجزاء من وطنه فهو يكافح من أجل تحريرها . وقد قال كلمته النهائية عندما أعلن وحدته الوطنية والتفافه حول مشروعه الوطني بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ..وأعلن عن ميلاد دولته الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية مباشرة بعد أن فرض الإنسحاب على المستعمر.. هذه الدولة التي أصبحت الإطار الجامع لكل الصحراويين المجسد لتطلعاتهم في الحرية والاستقلال وبناء مستقبلهم، وهي اليوم عضو مؤسس و كامل الحقوق في الأتحاد الافريقي وتحظى بمصداقية كبيرة حيث يعترف بها العديد من دول العالم ، كما لطليعة شعبها السياسية الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ممثليات منتشرة عبر أصقاع المعمورة اذ تقيم علاقات واسعة مع مختلف القوى السياسية ومكونات المجتمع المدني عبر العالم . أما أكذوبة الانفصال التي تعتبر مدعاة للسخرية والتي تتردد على ألسنة ببغاوات النظام المخزني الذين لا يعرفون شيئا عن التاريخ أو يتجاهلون حقيقته ولا يحترمون عقول الناس ومداركهم المعرفية .. انما هي محاولة أخرى واهية وفاشلة لتزييف التاريخ الذي تفننوا في تحريفه وتزوير أحداثه ووقائعه والتلاعب بمعطياته سواء أكانت اجتماعية أو ثقافية أو سياسية ، يشهد على ذلك ما يكتبه بعض رجال النظام المخزني عن المقاومة الصحراوية وتحريفهم لبعض إنتاج مثقفيها وعلمائها لأنها سلطت الضوء على خيانة حكام المخزن وبعض رجالاته وتحالفهم مع المستعمر. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه : متى كنا معا حتى ننفصل ؟ فعلا جمعتنا قيم الإسلام والعروبة والانسانية التي تنكر لها هذ النظام مع بالغ الأسف ، وستبقى تلك القيم قاسما مشتركا مع الشعب المغربي الشقيق كيفما كان نظامه . ان ما يقوم به المخزن من محاولات تزييف للحقائق وتحميل الجزائر على الدوام مسؤولية ما يعانيه من أزمات ومشاكل لإيهام الرأي الخارجي والداخلي بثنائية النزاع بينه و الجزائر هو مجرد افتراءات ومغالطات لا تنطلي على أي مطلع على الحقيقة، ولسخافة هذ الطرح فقد لا يستحق عناء كبيرا للرد عليه . يقول الحريري صاحب المقامات : وقادرين متى ما ساء صنعهم * أوقصروافيه قالوا الذنب للحطب ( قادرين: طابخين في القدر) فالجزائر جزاها الله خيرا عن الشعوب والجيران وعن كل المظلومين والمستضعفين في العالم هي بعيدة كل البعد عما يحاول هذ النظام وصمها به عندما يقحم نفسه في ورطة ، وهي معروفة بعدم التطفل وعدم التدخل في شؤون الآخرين ؛ كذلك فإن الشعب الجزائري العظيم بتجربته الكفاحية الفريدة وبمصداقية ثورته التحريرية هو الذي يرجع له الفضل في تخلص الكثير من الشعوب من ربقة الاستعمار وتحقيق الإستقلال الوطني. والدولة الصحراوية فخورة بتحالفها الطبيعي والقوي مع هذ البلد الشقيق المبدئي الصادق الوفي بالتزاماته ، ولن ينس الشعب الصحراوي تلك المواقف النبيلة المستوحات من قيم ومبادئ الثورة الجزائرية المجيدة ، وستبقى محفورة في ذاكرة كل فرد من أفراده أينما كان .. ان استمرار النظام المخزني المغربي في ممارسة الضغوط ومحاولات الابتزاز والتصرفات الغير مسؤولة وانتهاج أسلوب خلق واستخدام اللوبيات من أجل التأثير على الموقف السليم والمتزن للشقيقة موريتانيا هو في الحقيقة أمر يعيد إلى الأذهان تلك المواقف السلبية التي طبعت السياسة المغربية خلال فترات مختلفة ولا تزال كذلك للأسف.. وما محاولة فرض تطبيع حدود لا وجود لها أصلا مع الدولة الموريتانية الا دليل على إصرار المغرب على التمادي في نهجه التوسعي حتي تجاه من لا تجمعه معه حدود . وان فتح ثغرة الكركرات الغير شرعية في الجدار اللا شرعي قرب الحدود الموريتانية مع الدولة الصحراوية واتخاذ من التظاهر ة الاحتجاجية السلمية لمدنيين صحراويين رافضين للإحتلال ذريعة لخرق وقف إطلاق النار باجتياح وضم المنطقةالعازلة والانقضاض على المتظاهرين العزل لهو استفزاز واضح وتحد لقرارات المنتظم الدولي ونسف لمخطط التسوية الذي حذرت القيادة الصحراوية من عواقبه كما مرة . وبالتالي فهو أيضا تهديد واحراج للدولة الموريتانية الشقيقة ومحاولة يائسة للتشويش على العلاقات الأخوية المتطورة بين البلدين والشعبين الشقيقين الصحراوي و الموريتاني .. الذين قال عنهما الشهيد الولي مصطفى السيد رحمه الله : بيضتان في عش واحد .. وقال عنهما الشهيد محمد عبد العزيز رحمه الله : دولتان لشعب واحد . ان المملكةالاسبانية تبقى المسؤول الأول عن الوضعية المأساوية التي خلفها انسحابها اللامسؤول و الغير قانوني ولا أخلاقي وهي اليوم مطالبة بمراجعة سياستها المبنية على المسايرة العمياء للنظام المغربي وحليفه الفرنسي الذي أعمته معاداة الدولة الجزائرية و الشعب الصحراوي حتى عن مصالحه الحقيقية في المنطقة ، كما يتعين على الحكومة الإسبانية ، خصوصا في هذ الظرف، اتخاذ موقف جديد يحفظ لها ماء وجهها ويكفر عن الجرم الذي اقترفته في حق شعبنا وحتى ضد إرادة ومشاعر الشعب الإسباني المتضامن والمؤيد للقضية الصحراوية العادلة. ان ألمتئامرين اليوم مع النظام المخزني ضد قضية شعبنا هم أنفسهم الذين دعموه وشجعوه على غزو بلدنا واحتلاله وظلوا يمدونه بالأفكار والخطط والأموال والعتاد وبكل وسائل الدمار والترهيب ، ولم يبخلوا عليه بالتزويد بمختلف التقنيات المتطورة لتشييد وصيانة الأحزمة الدفاعية لحماية جيشه المنهار وتطويل أمد الاحتلال .. الا ان كل ذلك لم يجد نفعا وأشرفت الدولة المغربية على الإفلاس وفرضت الملاحم البطولية لجيش التحرير الشعبي الصحراوي على الجنود المغاربة التخندق في مخابئ جدار الذل والعار فتم بذلك ابطال مفعول التحالف الاستعماري البغيض الذي استنتج عدم جدوائية الأستمرار في الحرب فأوعز الى الحسن الثاني بالرضوخ للحل السلمي وتوقيع وقف إطلاق النار .. هذ الاتفاق الذي تم خرقه مؤخرا من طرف خلفه الذي أدار ظهره لمخطط التسوية ورفض الأستفتاء لأنه لم يعش ما عاشه ابوه وحاشيته من مئاسي وتأثيرات الحرب ولم يذق هو وفريقه مرارة الكأس التي تجرعها سلفهم .. أما وقد أقدم الطرف المغربي المحتل على خرق سافر لاتفاق وقف اطلاق النار متوجا بذلك مسلسلا من الخروقات التي ظلت محل شجب و احتجاج من قبل القيادة الصحراوية طيلة الهدنة المتفق عليها بهدف تنظيم الاستفتاء ، ولو أن البعثة الأممية لتنظيم الأستفتاء كانت وفية لمهمتها لتم فضح الكثير من ممارسات سلطة الاحتلال .. وبعد تسع وعشرين سنة من المماطلة والالتواءات ومحاولة افراغ مخطط التسوية الأممي الأفريقي من محتواه .. وما رافق ذلك من نهب لثروات وطننا واضطهاد وتنكيل وقمع وحرمان لمواطنينا .. فقد كان رد الشعب الصحراوي حاسما وفي مستوى التحدي ، حيث اتخذت القيادة الصحراوية قرار استئناف الحرب التحريرية الثانية ضد الاحتلال وواصلت قوات جيش التحرير الشعبي الصحراوي هجماتها المظفرة على مواقع وتخندقات جنود الغزاة المحتلين رغم التعتيم والتكتم الإعلامي المضروب من قبل سلطات الاحتلال على نتائج ما يجري بجبهات القتال وعلى طول جدار الذل والعار.. ذلك القرار الشجاع الذي انتظره الشعب الصحراوي بفارغ الصبر لا رغبة في الحرب ولا في إراقة دماء أبنائه ولا أبناء الشعب المغربي الشقيق ، كما ورد في تصريح للأخ الأمين العام للجبهة رئيس الجمهورية السيد ابراهيم غالي ، هذ الشعب الذي للأسف الشديد زج به نظام متسلط لا يهمه إلا ما يضمن بقاءه جاثما على رقاب من يسميهم " رعاياه الاوفياء " . زج به في حرب ظالمة مئالها الخسران والفشل ضد شعب شقيق وجار لا يكن لجيرانه إلا الخير والأمان . وتلبية لنداء الواجب الوطني وانسجاما مع القرار الذي اتخذته القيادة الوطنية .. تسابق الصحراويون فرادى وجماعات للالتحاق بمواقع الشرف و الشهامة ، مدشنين هبة وطنية عارمة لم يسبق لها مثيل منذ وقف إطلاق النار و منذ ملحمة اكديم أزيك التي لا زال ابطالها الميامين يقبعون في زنازن الاحتلال البغيض.. استعدادا لخوض معركة التحرير من جديد مجسدين بذلك شعارهم الخالد : كل الوطني أو الشهاده ومعبرين بصدق عن الوفاء بالتزامهم للوطن والشعب و عن تشبثهم القوي بالاستقلال الوطني واسترجاع سيادة الدولة الصحراوية . فلله درك أيها الشعب الصحراوي المثابر الصامد .. لقد كنت دائما في الموعد ، فعندما ناداك الوطن لمواجهة الاستعمار قاومت بكل ما تملك حتى ارغمته على الرحيل وعندما ناداك لمواجهة الاحتلال توحدت وواجهت ببسالة و شجاعة نادرة حتى نسفت اتفاقية مدريد وأفشلت التحالف العدواني الأجنبي وفرضت الاستسلام على المحتل الغاشم حتى رضخ للحل السلمي ، وبفضل وحدتك الوطنية وصمودك تغلبت على الكثير من الصعوبات والعراقيل التي شكلت تحديات لمسيرتنا التحررية ، فحافظ أيها الشعب الأبي على وحدتك وصنها من الشوائب لأنها سر انتصاراتك ، فقضيتك الوطنية تحتاج ألى دور كل مكون من مكونات هذ المجتمع التي تعطيها التكامل المطلوب في خضم معركة التحرير الوطني فجيش التحرير الشعبي الصحراوي المغوار الذي ربح المعركة التحريرية الؤولى وفرض احترام وهيبة الشعب وإرادته والاعتراف بعدالة قضيته و بوأه المكانة المرموقة بين الشعوب والأمم . ومخيمات العزة والكرامة بصمودها وابائها ، وتقديمها المثل والنموذج الأسمى في العطاء والتضحية باعتبارها المنارة المركزية للتنظيم الوطني الثوري التي تشع على مختلف مواقع التواجد الشعبي الصحراوي ؛ وجماهير شعبنا في الأرض المحتلة وجنوب المغرب بتحديها للمحتل والتأجيج المتصاعد لانتفاضة الاستقلال الوطني بما تمثله من استعداد لمواصلة المعركة النضالية السلمية في أرقى أساليبها ؛ والتجاوب الفعال من خلال العمل النضالي المتواصل والمشاعر الفياضة لجالياتنا في المهجر ودفعها القوي لحركة التضامن العالمي مع قضية شعبها .. كلها عوامل قوة وإسناد وضمانة لإنجاح وتحقيق المشروع الوطني الذي حظي باجماع كل الصحراويين نظرا لما يمثله من استجابة لتطلعاتهم وطموحاتهم في الحرية والاستقلال وبناء مستقبل زاهر في كنف دولتهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كاملة السيادة فوق ترابهم الوطني معززين مكرمين .. وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

 

 

 

 

اعلانات