تسجيل مكالمات الناس عمل جبان مُخالفٌ للشرع و مُنافٍ للأخلاق والذوق الآدميّ السليم. لا عِبرة بالتسميات: تنصّتٌ، تجسّسٌ، تتبّعٌ للعورات، اختراقٌ للخصوصية، تسجيلٌ، تسريبٌ أو إعادة تسريب، يظل هذا العمل دائراً فى حلقة الوشاية والنميمة والهمز واللمز.
مصْدرُ تسريب المكالمة الأخيرة بين السناتور محمد ولد غده ورجل الأعمال البارز محمد ولد بوعماتو هو نفس مصْدر التسريبات التي استهدفت الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قبل وإبّان الحملة الرئاسية الأخيرة، وهو نفس المصْدر الذي استمرأ انتهاك خصوصية عباد الله مدنيين وعسكريين، و أنفق من خزينة الدولة على مجموعة من العملاء و الجواسيس لا يزال بعضهم يَدين له بالولاء حتى كتابة هذه السطور.
لم تحمل المكالمة أي جديد: ليس لدى محمد ولد بوعماتو مواقفُ معلنَة وأخرى مَخفية، وقد تَعمّد الحديث فى الهاتف الخلوي وأبلغ محدّثه بأن كلامهما سيتم تسجيله.
محمد ولد بوعماتو كان ولا يفتأ مكررا أن الرئيس السابق أثرى ثراء فاحشا من المال العام،و أن على الشعب الموريتاني استعادة أمواله بالقانون.
محمد ولد بوعماتو كان ولا يزال مؤمناً بدور الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني والصحافة الجادة فى تعزيز الممارسة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد و الإثراء غير المشروع؛ ومن هذا المنطلق ساند بوعماتو هذه الأطراف فى الداخل وعززها بإنشاء "المؤسسة من أجل تكافؤ الفرص فى إفريقيا" التي سلطت الضوء على جوانب من سوء التسيير ونهب المال العام فى عهد جامع الألقاب.
محمد ولد بوعماتو تعرَّض للملاحقة وتصفية الحسابات على مدى أكثر من عشر سنوات ولم يستطع النظام السابق تركيعه ولا إذلالَه. وحين ألغى النظام الحالي قرار مصادرة مليار ومائة مليون أوقية من أمواله، لم يدّخرْها بوعماتو لنفسه وإنما حوّلَ المبلغ كاملا إلى حساب للتضامن مع وطنه فى مواجهة وباء كورونا الفتاك، فسنَّ بذلك سُنَّة حميدةً عمِل بها آخرون من بعده، وهذا عملٌ يُحسَب له لا عليه.
أبدى محمد ولد بوعماتو ملاحظة واردة وهي أنَّ رجال الأعمال الوطنيين كان مفترضا أن يُبادروا إلى دعم إجراءات رئيس الجمهورية فى مواجهة هذا الوباء الغامض، وهذا كلام منطقيٌ وصادقٌ ليس فيه تجريح ولا تعريض ولا تنقيص.
تم القطع واللصق فى التسجيل، فعندما عبّر محمد ولد بوعماتو عن ثقته فى آلية تسيير صندوق كورونا وأشاد بما عُرف عن وزير المالية ووزير الصحة من كفاءة وخبرة، تم اقتطاع تلك التفاصيل من التسجيل.
حين يتحدث محمد ولد بوعماتو عن الرئيس السابق كزعيم لقبيلة من "الأعجام" فهو يعني ما يقول. ألمْ يُجند الرئيس السابق مجموعة من الماليين لتقويض استقرار الدولة المركزية، وفتح أمامهم قاعة الشرف فى المطار و أبواب القصر الرئاسي، وأنفق عليهم من أموال دافع الضرائب الموريتاني؟
استغربتُ التحامل على مدير قناة (المرابطون) لمجرد أنه قد يكون عبّر عن رغبة فى السلام على محمد ولد بوعماتو!
ومتى كان الصحفي ساعيا إلى تضييق دائرة علاقاته؟
وهل كل من يزور بوعماتو هو طالبُ إكراميات وهِبات؟
ثم إن محمد ولد غدّه سياسي له علاقات مع إعلاميين كثر، ولا ضيْرَ لو طلب من صحفي موافاته برابطٍ أو تسجيل لتقرير معيّن!
بقية المكالمة المسرّبة حديث عائلي ونِكاتٌ كانت مِلح الحديث بين رجلين يجمعها أكثر من إطار.
توقّعوا مزيدا من التسجيلات لن يكون هدفها محمد ولد بوعماتو فحسب، فخلية التجسس اقتنت معداتٍ لمحاكاة الصوت وأجهزة مثبّتة فى سيارات مبهَمَة،وقد انكشف خلال الأسبوع الماضي جزء من هرم التجسس المقلوب.
باباه سيدي عبد الله