كاتب شهير: "الشعب الموريتاني لن يستسيغ أقل من الانتقام والعقاب الشديد في حق المسيء"

11 نوفمبر, 2017 - 08:16
عبد الفتاح ولد اعبيدن، صحفي

استشعر هذا الصباح الشعب الموريتاني العظيم بمختلف مكوناته وأعراقه ومشاربه، خطورة الحكم القضائي المثير، الفضيحة، الذي أصدرته استئنافية نواذيبو أمس، في جو مشحون بالمتاجرة المكشوفة بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغض النظر عن ما تدعي المحكمة الاستناد عليه فقد بدا الحكم المثير بالمقارنة مع حالات أخرى أقرب للتحدي والاستفزاز، فالغرامة على مقال سابق مثير حسب اعتبار ولد بوعماتو وقضاته يومها ومحاميه،  استحق تغريما ضدي بـ 300 مليون أوقية، وبالنسبة للفترة الزمنية كان الحكم على من رمى نعلا في وجه الوزير الناطق باسم الحكومة، كان السجن عليه بـ 3 سنوات أكثر من الفترة السجنية الصادرة بحق ولد امخيطير، فهل يعني ذلك أن المساس من عرض ولد بوعماتو في حساب القضاء الموريتاني أخطر من المساس بعرضه صلى الله عليه وسلم؟
واعجباه، وارباه، وامحمداه، وا إسلاماه.
اللهم انتقم، يا خيل الله اركبي، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
فداك نفسي يارسول الله عليك أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ورب الكعبة، إنه يوم أسود مدلهم، ذالك اليوم الذي يقضى فيه بغرامة 60 ألف أوقية في حق المسيء وسنتين فحسب من السجن، بينما يسترضى ولد بوعماتو بـ 300 مليون أوقية غرامة، على يد القاضي صمبو محمد الحبيب يوم الأربعاء الموافق 7 نوفمبر2007، والناطق الرسمي دون أن تمسه النعل بـ 3 سنوات نافذة، سجنا ضد راميها.
وامحمداه..، واغضباه..، وا أسفاه..
آن للأرض أن تهتز من كافة أطرافها وللسموات أن ترتج بكافة أرقعها وطبقاتها، ورب الكعبة إنه لأمر عظيم أن يستهان بعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدر الواضح الفاضح، ويسترضى في المقابل الغرب بكافة منطقه ودعاويه وشعاراته، وما يلوح به تصريحا أو تلميحا من احتجاج ظاهر أو باطن أو حصار عاجل أو مؤجل.
إنه لأمر مؤسف أن يحسب المتغلب وفريقه حسابا دقيقا لمواقع قدميه، سياسيا وسلطويا واقتصاديا، ولا يحسب لعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغضب الرحمن، عبر هبة هذا الشعب العظيم الكريم، الذي كاد لعمق سلميته وتسامحه أن يحسب البعض وأذنابه ومنافقي الداخل وكفرة الخارج.
نعم حسبوا خارج نطاق تاريخنا وهويتنا وحقيقتنا، فنحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأبناء الشهداء البررة في كل شبر من هذه الأرض الغالية الثمينة، حيث أزهقت أرواح أجدادنا وذهبت مرارا وتكرارا طلبا وسعيا لرضوان الرحمان والدفاع عن حياض الإسلام وحوزة هذه الأرض الغالية.
ألا يتذكر هؤلاء في الداخل والخارج، أن هذا الشعب على اختلاف جنسه وعرقه ومشربه كله، هو خليط من أبناء المرابطين والمجاهدين والمقاومين في وجه الاستلاب والغزو الحضاري، في بقاع وأمكنة متعددة من هذا البلد الغالي وفترات متعددة على امتداد الأيام والليالي.
لا حساب على حساب الهوية الإسلامية، ولا قبول لأي تنازل قيد أنملة عن جزء يسير من هذا الدين، وعرضه ومحبته صلى الله عليه وسلم، والموت في سبيلها أغلى أمانينا، بأجمعنا بإذن الله.
ينبغي أن توقن السلطة والقضاء على السواء، أن هذا الشعب المسلم العريق لن يستسيغ أقل من الانتقام والعقاب الشديد في حق المسيء وأي مسيء آخر في المستقبل القريب أو البعيد.
فهويتنا الإسلامية خط أحمر، وعرض رسولنا صلى الله عليه وسلم خط أحمر، ولا نفهم إطلاقا أن يربط أي استقرار أو مصالح سلطوية أو اقتصادية عامة أو خاصة بالتهاون بجزء يسير من عرضه صلى الله عليه وسلم، المصان المقدس الأعز الأغلى بعد الإيمان بالله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله ونفسه التي بين جنبيه"، أو كما قال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أمر مكشوف واضح أن ثمة صفقة مبرمة مع الغرب على حساب عرضه صلى الله عليه وسلم وهوية هذا البلد ومشاعر هذا الشعب المسلم العظيم.
وقد وصل النظر العلمي المتمعن في الأمر، بالبعض اليوم، وهو مكين متعلم عارف متبحر، القول، إن هذه السلطة حين تتخلى عن عرض نبيها صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب شبه المباشر، إن تمادت عليه، بتسليم المسيء مثلا، فذلك وجه من وجوه الاستهزاء الصريح بعرضه صلى الله عليه وسلم، وهو ما يعني الكفر البواح، حسب قائل هذا القول.
وإن كنت لا أتبنى هذا الخط التصعيدي ولا فحوى هذه الفتوى إطلاقا، لكنني متأكد أن هناك من سيعمل بها، ولن تتمكن السلطة من حماية المسيء اللعين، ولو خرج إلى الشارع فسيمزق إربا إربا، دون شك أو ريب، ولا قرار لهذا القرار القضائي الفضيحة المذلة، إلا بالتراجع السريع عنه، مهما تضمن بيان النيابة من تزكية ضمنية لهذا القرار القضائي الفضيحة.
أجل عقب على الحكم، ففقد مفعوله القانوني، لكن بيان النيابة أكد توافق جميع المدبرين، ففيه ما فيه من التزكية الصريحة غير الضمنية على الأصح، وكل ذلك يدل على أن الصفقة فعلا أبرمت بليل، ولا غرابة فقد أصدر الاتحاد الأوروربي في اليوم السابق لإصدار الحكم بيانه بالموافقة على تمويل 145 كلم من طريق روصو، المتقعر السيء الوضعية للأسف البالغ، بل قد يعني هذا القرار القضائي المثير، قبول إجازة الغرب لتغيير الدستور مرة أخرى وإلغاء القفل وفتح المأموريات الرئاسية، لكن الحصيلة كانت صاعقة.
فقد النظام القائم الكثير من شعبيته إن صح الإطلاق، وهو لا يحكم في روما ولا في باريس ولا في واشنطن، بقدر ما يحكم في نواكشوط وغيرها من المدن والقرى والتجمعات السكنية في أطراف ومناحي موريتانيا.
لقد تغافل النظام القائم عن ردة فعل هذا الشعب العظيم وقدرته بسهولة على تغيير المسار القضائي المتعسف، لصالح توجه قضائي آخر بإذن الله، رضوانا الله أولا، عبر الحرص الشديد على صون عرضه صلى الله عليه وسلم، ولن يلتفت هذا الشعب في تياره الأغلب الصارم الحازم إلى فتاوي من هنا وهناك، ممن عرفوا بوعاظ السلاطين ومقدمي العلم على طبق مذل رخيص، ليأخذ منه الحاكم ما شاء، ويترك ما شاء، عبر لي أعناق النصوص والآي والحديث النبوي الشريف.
نعم كان الشعب المنتفض اليوم الجمعة، في كافة أطراف البلد، وفي العاصمة بوجه خاص، حريصا على الوفاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، دون الوصول إلى حد الفتنة والعنف الأعمى، وفق ما حذرت من ذلك في المقال السابق.
فالرهان على صون عرضه صلى الله عليه وسلم، إرضاء لله عز وجل، وحفاظا للهوية الإسلامية، عنوان هذا البلد الأول (الجمهورية الإسلامية الموريتانية).
ولا يستغرب في الأفق القادم أن تتخلى الدولة ولو ضمنيا، عن هذا التوجه القضائي الخاطئ الفاضح، عبر التجميد والتغطية تحت عنوان التعقيب، كما حصل، لرفع القضية للمحكمة العليا في وقت لاحق، ضمن سيناريو أكثر تعقيدا، قد لا يكون من السهل تمريره، لأن الدولة بين فكي كماشه، حسب بعض فلاسفتها المتخبطين، فهي إما أن ترضي الطابع الإسلامي الوطني المحلي، فترضي الداخل وتخسر الرهان على بعض المصالح الخارجية الحساسة في نظر هؤلاء الفلاسفة، أدعياء الاستشارة القضائية والحقوقية والسياسية الراشدة، وإما أن ترضي الخارج وتفتح على نفسها النار أي السلطة القائمة عبر مئات التوجهات وردود الفعل الغاضبة المجهولة المقدار والأثر على الصعيدين القريب والمتوسط.
والأمر بصراحة يحتاج إلى مبدئية ودهاء، لصون عرضه صلى الله عليه وسلم من جهة وإعمال لعبة تكيك المصالح الخارجية بوجه آخر دون التخلي عن هوية البلد ومبادئه الإسلامية المقدسة.
وقد لا تنظر المحكمة العليا مطلقا في هذا الأمر مرة أخرى، وإلا فإن ما سوى ذلك لن يؤدي إلا لسقوط الحكم القائم وبقاء الدولة بأي ثمن بإذن الله، بوضع مستقر آمن متماسك، ولا أتوقع مطلقا أن يتخلى الموريتانيون بكافة مشاربهم عن هويتهم الإسلامية وعرض رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ولا شك أن النظام القائم قد تلقى الدروس المناسبة من خلال أحداث نواكشوط السلمية الاحتجاجية صباح الجمعة الموافق الـ 10 نوفمبر، وما زالت إلى وقت كتابة هذه الحروف التاريخية الخالصة لوجه الله، إطارات السيارات، تحترق هنا وهناك، بطريقة لا أعتبرها إلا حضارية وطبيعية وسلمية، بل هي أقل ما يمكن الإقدام عليه.
أما بيان النيابة، فمقبول ومرحب به وجاء في الوقت المناسب السريع، لكنه لا يكفي البتة بعد هذا الحكم المفاجئ والخيانة الغادرة من قبل القضاء الموريتاني والجهة الرسمية على وجه العموم، ولا غرابه فقد قال صلى الله لعيه وسلم "قاضيان في النار وقاض في الجنة"، صدق الصادق المصدوق.
وما نعرفه عن هذا القضاء من ظلم ورشوة أحيانا وليس من رأى كمن سمع، وتآمر على الضعفاء، يلزمنا القول، إنه بصراحة قضاء مشكوك في شرعيته ومصداقيته وقيمته في الحاضر والمستقبل، فلا خير في قضاء يقضى بالتهاون بعرضه صلى الله عليه وسلم.
أفبعد كل هذا الانتظار والجلبة والتجاذب تكون المحصلة الحساب مع الغرب وإبرام الصفقات السرية معه، على حساب موريتانيا وهويتها ودينها ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم.
أبعد كل هذا الانتظار والجلبة والتجاذب الحاد، تكون الغرامة ضد المسيء 60 ألف أوقية، إثر صدور مقاله، ويكون التغريم ضدي عندما كتبت يوما عن ملف المخدرات حرصا على قيم ودين وهوية هذا البلد، 300 مليون أوقية، والفترة السجنية ضد الولد الذي رمى بالحذاء 3 سنوات، بينما الفترة السجنية في حق المسيء سنتين فقط، ما لكم كيف تحكمون.
اللهم سلم سلم.
إن كل المؤشرات باتت تدل على أن قضية ولد امخيطير، أنسب ما تسمى به "فتنة ولد امخيطير".
فهل ستسارع الجهات القضائية المعنية، لمعالجة هذا الحكم العار، الذي صدر بنواذيبو 9 نوفمبر 2017، في قاعة منع من دخولها وفد العلماء والأئمة، مقابل السماح بحضور فلول المحامين والحقوقيين المدافعين عن المسيء.
إن مجاملة الغرب والحساب معه بدقة في أوجه، ما يرجى منه وما يخاف، وعدم الحساب لغضب الرحمن وغضب هذا الشعب، وعدم الحساب لصون عرضه صلى الله عليه وسلم بما يليق، بل على الأصح، بما يكفي و أتم.
هذا التناقض الفج الواضح البين الجلي، يدل على أننا محكومون من طرف قوم يحكمون لمصالحهم الضيقة، أكثر من الوطن وعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسف البالغ، دون حذر واتقاء لغضب الرحمن.
إنني أكرر الدعوة في هذا الوقت الحرج والمنعطف الخطير، لضرورة أن تعي الدولة حتمية السماح بالاحتجاجات السلمية، فهي حق دستوري مكفول، ومفروض تلقائيا دون ريب، إن لم تسمح به الجهات المتغلبة، فتلك طبيعة الحياة ومسار المجتمعات الحية بإذن الله، وأكرر الدعوة للمحتجين سلميا، بضرورة عدم تجاوز الخط الأحمر، ومحاولة إرسال الرسالة كاملة مشحونة مؤثرة بإذن الله، دون إسقاط الدولة والمجتمع في أتون التمزق والصراع السيزيفي العميق.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

بقلم / عبد الفتاح ولد اعبيدن

 

 

 

 

 

 

اعلانات